المتابع للمشهد العراقي يلحظ جلياً التطورات المتسارعة والمتضاربة وانشغال كبار رجال الدبلوماسية العالمية وحركتهم المكوكية بين العديد من عواصم العالم، وكأنك تشعر أن هناك تحضيراً لأجواء حرب مستعرة مركزها العراق، وربما شررها المتطاير سيحرق الأخضر واليابس.وزراء خارجية أمريكا وبريطانيا وروسيا وفرنسا وإيران، وبعض وزراء الدول الأوروبية، يبوحون بالنزر اليسير عبر مؤتمراتهم الصحافية المقتضبة ويصرحون بالتأكيد خلاف ما تضمر دولهم، أما دبلوماسيتنا العربية فتلتقط من هنا وهناك، وهم في حالة لا يحسدون عليها، وجلهم لا يتجرؤون بل لا يخاطر في الولوج في هذا الملف الشائك أو قل الخانق المميت.العراق ما قبل أحداث الموصل في 10/6/2014، هو ليس ذلك العراق ما بعد احتلاله عام 2003، وبالتأكيد يختلف تماماً عن عراق ما قبل الاحتلال، تغيرت خلال عقد من الزمان ملامح ذلك البلد، بلد نبوخذ نصر وبلد الرشيد والمنصور والجنائن المعلقة؛ لم يعد كذلك لم يبق منه إلا اسمه.لم تتوفر حسن النوايا لدى من يخطط وراء الكواليس منذ عقود، بدءً بالحروب العبثية الطاحنة مروراً بالاحتلال البغيض، والذي بموجبه تم تضليل الرأي العالمي بتدمير أسلحة الدمار الشامل، فدمروا بلداً بماضيه وحاضره ومزقوا نسيجاً متماسكاً عبر قرون، ثم اقترفوا جرمهم القاتل بتمكين إيران ومليشياتها منه لتجعله حديقة خلفية لطهران، فعمدوا جميعاً بتسليم مقاليد حكمه لمجموعة لا تفقه في السياسة وأسلوب الحكم شيئاً.هم بارعون في النهب وتصفية معارضيهم، أفضلهم كان يبيع خرزاً وسبحات والآخر مصاباً بالشيزوفرينيا، وكثير منهم كان ينظف أطباق الطعام في مطاعم أوروبا، وعبقريهم مطلوب للإنتربول بسرقة بنوك عالمية.هكذا نماذجهم؛ همهم الأول هو الاستمرار في النهب، ومن الطبيعي أن يتبعه الفساد والفقر والبطالة ثم تصفية كل من يعترضهم عبر ميليشياتهم الإرهابية، لا فرق عندهم إن كان المعترض والمنتفض سنياً أو شيعياً أم كردياً، بل حتى إن كان صابئياً أو مسيحياً.وأجزم أنه لو انتفضت العشائر العربية في جنوب العراق والفرات الأوسط لانقضوا عليها بحجة الإرهاب أو بأنهم أزلام النظام السابق بفتوى أو بدونها ولأبادوهم كما يفعلون اليوم ضد ثوار وأهالي المحافظات المنتفضة. إنه سرطان استشرى في جسد أخيكم العراق، وما الانتفاضة والثورة المباركة التي أرادوا عنوة وبهتاناً إلباسها ثوب «داعش» المشبوهة إلا بداية لعلاج بداء بحقن الجرعة الأولى في هذا الجسد المسجى، وإن لم يستجب لهذه الجرعة فالدور بات يلزم مهنياً وأدبياً وإنسانياً جراح العرب الماهر ليفعل مشرطه وليقرر استئصاله، وإلا فجهزوا يا عرب الكفن والحبور لدفن أخيكم العراق.ومرض وموت البلدان والشعوب معد وهو ليس كمرض وموت الأجساد!!وأحسن الله عزاءكم
Opinion
أحسن الله عزاءكم
02 يوليو 2014