أن تحصل على قطعة أرض باغتصابها واحتلالها لتقيم عليها وطنك ليس إنجازاً ما لم تحصل على شعب يؤمن بهذا الوطن، وإلا ستكون الأرض محطة تغادر عند وصول أول قطار مناسب.لم يكن نشوء «إسرائيل» طبيعياً كما تنشأ الدول، فقد بدأت بمؤامرة مجموعة من الصهاينة خارج فلسطين ليحتلوا أرضها ويقيموا وطنهم عليها، كما إن وجود «الإسرائيليين» لم يكن طبيعياً هو الآخر؛ لأن نواته الأولى كانت مجموعة عصابات التحق بها أفراد أخرجوا من أوطانهم الأصلية وجيء بهم إلى فلسطين ترغيباً أو ترهيباً، ومنذ نشوء «إسرائيل» وإلى يومنا هذا وهي تعيش صراعات إما مع محيطها الخارجي أو حرب داخلية من خلال ضربات المقاومة الفلسطينية المتتالية عليها ولم تستقر حتى اللحظة، لذا تركيبة دولة بهذه المواصفات لا يمكن أن ينتج عنها شعب يشعر بالانتماء تجاهها، وسوف لن يكون بحال من الأحوال مستعداً للموت في سبيلها، وستكون حياته فيها مزعزعة يشوبها الكثير من الإحباط، هذه الحالة الداخلية تجسدها أمور كثيرة منها أن الصهاينة يعرفون الطريق إلى الملاجئ ويعرفون تفاصيلها الداخلية كما يعرفون بيوتهم بسبب كثرة التردد عليها، ومنها أيضاً أنهم لا يكادون يستقرون أياماً إلا وتستدعيهم المؤسسة العسكرية لتأدية خدمة الاحتياط، والنتيجة هجرة معاكسة لكثير من الشباب للخلاص من مشكلة الوطن الموعود.«الإسرائيليون» أثقلتهم عشرات السنين، هي عمر دولتهم، ولم يعودوا قادرين على حمل إرثها الدموي، كما إنهم يعلمون جيداً ألا أصدقاء حقيقيين لبلدهم سوى أمريكا التي إذا فقدت صداقتها فقد كيانهم معها، لذا فإن الكثير منهم يجدون الهروب من هذا الوطن عين الصواب، هروب له مقومات كثيرة أولها أن كثيراً منهم يحملون جنسياتهم الأصلية إضافةً إلى جنسيتهم «الإسرائيلية»، مما يجعل تحركهم والإقامة في بلدانهم الأصلية أمر سهل جداً، كما إن أغلب المقبلين على الهروب هم من فئة الشباب والأكاديميين، الذين لديهم شهادات ومهارات عالية تؤهلهم للحصول على عمل في أوطانهم الأصلية، إضافةً إلى أن إدارتهم «الإسرائيلية» قدمت كل أسباب الزوال من ظلم وتفجير للمنازل واغتصاب للأرض وقتل للأطفال والأبرياء، وهم يعلمون ذلك جيداً ويعرفون مآلاته.الهجرة المعاكسة ليست أمنية بل حقيقة يؤكدها توقف الهجرة إلى «إسرائيل» منذ سنة، وأن عدد المهاجرين منها بلغ مليون شخص خلال السنوات الماضية، أي ما يعادل سدس عدد السكان، أما الحرب الأخيرة على غزة فكانت كفيلة بإقناع من لم يقتنع بعد بالهجرة، تشهد على ذلك حركة الطائرات الكثيفة في مطار بن غوريون بحسب مراقبين، فأي وطن هذا الذي يهرب منه سكانه.إحدى الصحف «الإسرائيلية» لخصت الحالة النفسية الصهيونية بقولها: «صغيرة هي المسافة بين الخوف والذعر والجمهور (الإسرائيلي) يعيش بين هذا وذاك» فما عسى الخائف والمذعور إلا الهرب، «فإسرائيل» بالنسبة لشعبها ليست إلا وطناً مؤقتاً.
Opinion
وطن مؤقت!
04 أغسطس 2014