تمثل المواجهة في محافظة الأنبار بين حكومة نوري المالكي والجماعات المسلحة التي تسيطر على مدينتي الفلوجة والرمادي ومناطق أخرى في المحافظة فرصة لرئيس الحكومة العراقي ليثبت أنه رئيس حكومة كل العراقيين، وليس رئيساً لحكومة فريق أو فئة منهم.يستطيع المالكي ذلك من خلال كسب ثقة أبناء الأنبار بدل مخاطبتهم بلغة التهديد التي تضمر التخوين. فهو عندما يدعو أهل الفلوجة وعشائرها إلى «طرد الإرهابييـــن» من المدينة، مهدداً إياهم بأنهم إذا لم يفعلوا ذلك فإن أحياءهم ستتعرض لخطر المواجهات المسلحة، فإنه يتجاهل حقيقة ثابتة هي أن شعور أبناء الفلوجة بأن حكومتهم ترعى مصالحهم وحقوقهم، هو الذي سيدفعهم إلى مواجهة المسلحين الذين سيطروا على مدينتهم والالتفاف حول حكومتهم المركزية ودعم العمليات التي يقوم بها الجيش الذي يفترض أنه جيشهم أيضاً. لغة التهديد لا تنفع في ذلك، وخصوصاً عندما تفعل حكومة المالكي كل ما تستطيع لتثبت أنها تعمل لمصلحة طرف واحد في العراق، وتقوم بتهميش الفئات الأخرى. كما إن تهمة الإرهاب التي يطلقها المالكي اليوم باتت تهمة واسعة تشمل تحت مظلتها كل السياسيين الذين اختلفوا مع رئيس الوزراء وتمت ملاحقتهم من قبل أجهزته، كما حصل مع نائب الرئيس طارق الهاشمي الذي اضطر للفرار خارج العراق لينجو بحياته من التهديدات، وكذلك مع وزير المال رافع العيساوي وأخيراً مع النائب عن الأنبار أحمد العلواني الذي كان اعتقاله واغتيال شقيقه سبباً في انفجار المواجهات الأخيرة في الأنبار.وبصرف النظر عن خلفيات دخول تنظيم «داعش» على خط المواجهات الأخيرة، والشكوك الكبيرة حول مصادفة هذا الدخول مع الانسحاب المفاجئ للقوات العراقية من الأنبار، بحيث بدا وكأن الهدف من ذلك هو أن تبدو معركة المالكي وكأنها مع التنظيم الإرهابي وليس مع أبناء العشائر الذين ضاقوا ذرعاً بسياسته المنحازة، فإن المخرج من هذا المأزق الأخير لن يكون إلا من خلال عقد سياسي جديد بين حكومة المالكي والقيادات المحلية التي يثق بها أبناء الأنبار.في هذا المجال، يستطيع نوري المالكي أن يقتدي بالسياسة التي اعتمدها الأمريكيون في ظل القيادة العسكرية للجنرال ديفيد بترايوس في مواجهة تنظيم «القاعدة». لقد راهن بترايوس آنذاك على التحالف مع القيادات المعتدلة من أبناء العشائر، وأنشأ ما أطلق عليها «الصحوات» التي تحولت إلى ذراع فعالة في المواجهة مع «القاعدة». وفي حديث إلى صحيفة «المدى» العراقية (نشر في 3 نوفمبر الماضي)، فصل بترايوس تلك السياسة بالقول: «كنت غالباً ما أذكر أننا لن نتمكن من التخلص من الأعمال المسلحة التي كانت تواجهنا في العراق ما لم يتم تحييد أولئك المسلحين وأفراد المليشيات الذين يمكن التصالح معهم. بعدها علينا إقناعهم أن يصبحوا جزءاً من الحل في العراق بدلاً من بقائهم جزءاً من المشكلة. بهذا الشكل أصبحت المصالحة عنصراً حاسماً في الاستراتيجية الشاملة ... كنا محظوظين لقدرتنا على تأسيس ما صار يعرف بالصحوة السنية، التي بدأ الترويج لها قبل أشهر من إدامة الزخم خارج مدينة الرمادي».الغريـــب والمحـــزن أن سياســـة بترايــوس والمحتل الأمريكي في إنشاء «الصحوات»، واستمالة قيادات العشائر السنية إلى جانب الحـــل السياسي، هي السياسة التي انقـــض عليها نوري المالكي، فأصبح التهميش والإقصاء هما عنوان السياسة المعتمدة في تلك المناطق. وبنتيجة ذلك أخذت الأصوات المطالبة بالطلاق وبقيام إقليم سني يتمتع بحكم ذاتي، أسوة بالإقليم الكردي في الشمال، تكتسب شعبية أكبر، وتهدد بتفسخ الخريطة العراقية، بين مكوناتها المذهبية والعرقية والطائفية. عن «الحياة» اللندنية
Opinion
فرصة للمالكي في الأنبار
09 يناير 2014