منذ مراحل الطفولة؛ تعلمنا أن العطاء جزء من معنى وجود الإنسان على الأرض، أي أن قبل التفكير في الحصول على الخير لابد لك من ممارسة العطاء، من هنا كنا نتشارك دائماً في التسابق ونحن ذاهبون إلى صلاة الجمعة، في عمر العاشرة تقريباً، من منا سوف يوزع خبزاً أكثر من غيره على الشحاذين الناطرين اللقمة أمام جامع الفاضل، وكان كل منا يعرف أهمية دفع البلاء عنه، وعن أهله، عن طريق التصدق بشيء مما عنده، وقد قرأت قبل أيام قصة معبرة عن موضوع دفع البلاء..يحكى أن امرأة رأت في الرؤيا أثناء نومها أن رجلاً من أقاربها قد لدغته أفعى سامة فقتلته ومات على الفور، وقد أفزعتها هذه الرؤيا وأخافتها جداً، وفي صبيحة اليوم التالي توجهت إلى بيت ذلك الرجل وقصت عليه رؤياها وعبرت له عن مخاوفها، وطلبت منه أن ينتبه لما يدور حوله، ويأخذ لنفسه الحيطة والحذر.نذر الرجل على نفسه أن يذبح كبشين كبيرين من الضأن نذراً لوجه الله تعالى عسى أن ينقذه ويكتب له السلامة من هذه الرؤيا المفزعة، وهكذا فعل، ففي مساء ذلك اليوم ذبح رأسين كبيرين من الضأن ودعا أقاربه والناس المجاورين له وقدم لهم عشاءً دسماً، ووزع باقي اللحم حتى لم يبق منه إلا ساقاً واحدة.كان صاحب البيت لم يذق طعم الأكل ولا اللحم بسبب القلق الذي يساوره ويملأ نفسه والهموم التي تنغص عليه عيشه وتقض مضجعه، فهو وإن كان يبتسم ويبش في وجوه الحاضرين؛ إلا أنه كان يعيش في دوامة من القلق والخوف من المجهول.لف الرجل الساق في رغيف من الخبز ورفعها نحو فمه ليأكل منها، ولكنه تذكر عجوزاً من جيرانه لا تستطيع القدوم بسبب ضعفها وهرمها، فلام نفسه قائلاً: «لقد نسيت تلك العجوز وستكون الساق من نصيبها»، فذهب إليها بنفسه وقدم لها تلك الساق واعتذر لها لأنه لم يبق عنده شيء من اللحم غير هذه القطعة.سرت المرأة العجوز بذلك وأكلت اللحم ورمت عظمة الساق، وفي ساعات الليل جاءت حية تدب على رائحة اللحم، وأخذت تقضض ما تبقى من الدهنيات وبقايا اللحم عن تلك العظمة، فدخل شنكل عظم الساق في حلقها ولم تستطع الحية التخلص منه، فأخذت ترفع رأسها وتخبط العظمة على الأرض وتجر نفسها إلى الوراء وتزحف محاولة تخليص نفسها، لكنها عبثاً حاولت ذلك، فلم تجد محاولاتها شيئاً ولم تستطع تخليص نفسها.في ساعات الصباح الباكر سمع أبناء الرجل المذكور حركة وخبطاً وراء بيتهم فأخبروا أباهم بذلك، وعندما خرج ليستجلي حقيقة الأمر وجد الحية على تلك الحال وقد التصقت عظمة الساق في فكها وأوصلها زحفها إلى بيته، فقتلها وحمد الله على خلاصه ونجاته منها، وأخبر أهله بالحادثة فتحدث الناس بالقصة زمناً، وانتشر خبرها في كل مكان، وهم يرددون المثل القائل: «كثرة اللقم تطرد النقم»؛ أي كثرة التصدق بالطعام تدفع عنك البلايا. عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام».وقد حدثني الكثير عن قصص دفعت البلاء عنهم وعن أطفالهم وعن أهلهم نوع من أنواع البلاء، من خلال قيامهم وبصورة عفوية بدفع بعض النقود، أو التصدق بمال، أو العمل على مساعدة الآخرين. أعط شيئاً مما عندك تساهم في رد الأذى عنك وعن أهلك.
Opinion
كثرة اللقم تطرد النقم
29 أغسطس 2014