مازال الجميع في البحرين ينتظر رد جمعيات المعارضة وعلى رأسها الوفاق ومرجعيتها حول مسألة خوض الانتخابات البرلمانية والبلدية. ومازالت تلك الجمعيات تحسب أخماس ربحها وأسداس خسارتها، خصوصاً وأنها قد (عشمت) مريديها ومؤيديها بأن بمقدورها حصد إنجازات عظيمة بالمنهجية التصعيدية التي مافتئت تتبعها منذ أكثر من عشر سنوات.فلنفترض، جدلاً بعيد المدى، بأن تلك الجمعيات تمتلك مشروعاً وطنياً وبرنامجاً سياسياً قادراً على تحقيق الشعارات الفضفاضة التي يرددها الكبار ويحفظها الأطفال. ولنفترض أن هذا المشروع سيصب في صالح جميع فئات الشعب. فكيف ستترجم جمعيات المعارضة ذلك المشروع وكيف ستنفذ برنامجها السياسي خارج العملية السياسية السوية إذا ما قررت مقاطعة الانتخابات؟. الجواب الذي يدركه الجميع في البحرين هو في استمرار جمعيات المعارضة باستخدام الشارع ورقة ضغط على الحكومة وعلى باقي الشعب المختلف معها.ومن المغالطات التي ترسخت في البحرين في عقول بعض فئات الشعب أن الزعامة الشعبية تعني تصدر المسيرات الجماهيرية وإطالة الوقوف على منابر الخطابة واستمرار العكوف في التجمعات والوقفات الاحتجاجية. وهذا التصور خاطئ تماماً. إذ إن قيادة الشعب تعني بالدرجة الأولى بلورة طموحاتهم في برنامج سياسي (عملي ومرحلي واضح وواقعي)، ثم توعيتهم بالأساليب السليمة والحضارية لتحقيق أهدافهم؛ وذلك بتحويلهم إلى كتل مؤثرة في العمل السياسي عبر انخراطهم في الجمعيات السياسية والأهلية، وتحويلهم إلى أصوات مرجحة في العمليات الانتخابية. إن الواقع السياسي المهيمن لا يمكن تغييره إلا بتغيير نظمه وقوانينه. وبوابة تغيير الأنظمة والقوانين هي السلطة التشريعية وليست الشارع. إذ إن قيادة الشارع هي قيادة الفوضى، وحشد الناس وشحن مشاعرهم سلباً. وتعويدهم على ثقافة الخروج والاحتجاج المبنية على منطق الرفض لأجل الرفض.من يقود الجماهير يعمل على بناء وعي جمعي منظم نحو التغيير المنهجي، وعلى تأسيس قواعد شعبية مسؤولة وملتزمة بقضايا الوطن وقيم الديمقراطية الصحيحة. ومن يقود الشارع يعمل على تشويه الوعي الجمعي وتشظيته، وتأسيس جماعات ساخطة تظن أن الحشد وعلو الصوت سبيل التغيير الديمقراطي.قرار الجمعيات المعارضة بالمشاركة في الانتخابات القادمة أو مقاطعتها سيعكس خياراتها؛ هل تسعى تلك الجمعيات إلى تحقيق طموحات جماهيرها وقيادتها نحو سلوك سياسي قويم، أم أنها مازالت تراهن على زخم الشارع الذي أحدث شرخاً في الوحدة الوطنية البحرينية وأثر سلباً على الاقتصاد البحريني؟. وتلك نتائج لا يرغب فيها كل من يزعم أنه صاحب مشروع سياسي وطني، وأنه لا يبغي من وراء العمل السياسي إلا إصلاح شأن البلاد والعباد.
Opinion
قيادة الشارع ليست زعامة شعبية
02 أكتوبر 2014