أفخر دائما أني بدأت حياتي المهنية معلمة، وممتنة للحظ أني في فترة وجيزة درست كل المراحل التعليمية تقريباً، وأن خبرتي التعليمية تنوعت بين المدارس الخاصة والحكومية والعمل الإداري. فأنا أؤمن أن الخبرة التي يكتسبها المعلم بالعمل الميداني المتنوع تجعله (تربوياً نوعياً) ملماً بالأنظمة التربوية المختلفة وواعياً ببواعث السلوك الطلابي وقارئاً جيداً لتذبذبات المستوى التحصيلي، بدرجة أكبر من كونه موظفاً يطبق الأنظمة ويضبط سلوك الطلبة ويجتهد في رفع تحصيلهم؛ والمعلم الجيد (ثروة وطنية) يتعين صناعتها أولاً ومن ثم استثمارها.وفي اليوم العالمي للمعلم 2014م، لم يخرج شعار منظمة اليونسكو عن هذا المنظور. إذ قررت أن يكون شعارها (استثمروا في المستقبل، استثمروا في المعلمين). وحسب تفسير المنظمة لمدلول الشعار هذا العام فإن من الضروري سد النقص في عدد المعلمين في الدول التي تعاني من هذا التحدي، ثم يتعين رفع جودة المعلمين ليكونوا مؤهلين دائماً لمختلف المستجدات المستقبلية التي تنتجها الثورة المعرفية في العالم، وذلك بتوفير برامج تدريب جيدة مرتبطة بتنمية مهارات الطلبة التي تعد هي مستقبل التعليم القادم.والتحديات التي تواجهها مملكة البحرين في الوصول إلى حالة الاكتفاء من المعلمين من مختلف التخصصات تكمن في جعل مهنة التعليم مهنة جذابة ذات مردود مادي مجز يتناسب مع مهام المعلم المتزايدة عاماً بعد عام. ويمكن بلوغ هذا الهدف بإنجاز كادر المعلمين الذي تأخر كثيراً. وثمة تباشير عدة عبر التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم بأن المراحل الأخيرة من العمل على الكادر قد تم الانتهاء منها. وإذا ما تم اعتماد كادر تعليمي يرفع من المستوى الوظيفي والاجتماعي للمعلم فإن ذلك سيكون دعماً كبيراً للمعلمين وإنصافاً حقيقياً لوظيفتهم المؤثرة في رسم صورة مستقبل الوطن وسيكون، كذلك، عنصر جذب لخريجي الثانوية العامة النابغين والنابهين لمهنة التعليم. فالدول المتقدمة في مجال التعليم هي الدول التي يتقاضى فيها المعلم أعلى الرواتب في الدولة.التحدي الثاني المتعلق برفع جودة أداء المعلمين في البحرين تم علاجه بتأسيس كلية البحرين للمعلمين التي مازالت مشروعاً في بداية سنواته غير أن تعهده وتطويره الدائم بالاستجابة لاحتياجات التدريب المحلية وتتبع المستجدات الدولية يجعل من إمكانية تحويل الكلية إلى مركز إقليمي لتدريب معلمي البحرين والدول المجاورة طموحاً قابلاً للتحقيق.ومعلمو البحرين المتميزون يطمحون في مساحة أكبر من الشراكة في صياغة السياسات التربوية والتعليمية؛ وكان ينبغي أن تكون جمعية التربويين الصوت الصادح لهم. وأن تعد أدوات ناجعة في رصد آرائهم في مختلف القضايا التربوية وفي حصر مقترحاتهم وتحويلها إلى مشاريع تربوية أو أجندات تناقشها مع مسؤولي الوزارة، إلا أن الجمعية مازالت تراوح في أنشطتها بين الفعاليات الخجولة والرسائل النصية على هواتف المعلمين. ومازال المعلمون يعبرون عن آرائهم ويقدمون مقترحاتهم عبر القنوات الرسمية لوزارة التربية والتعليم مثل اللجان المختلفة التي تشكلها الوزارة بعضوية بعض المعلمين، أو اللقاءات المشتركة التي تنظمها الوزارة بين المعلمين ومسؤولي الوزارة، وتلك أدوات تقليدية تجاوزها العمل الأهلي والنقابي وتجاوزتها البحرين في كثير من الجمعيات المهنية، ومازال المعلمون يفتقدونها.إن توفير كل ما سبق للمعلم البحريني من إعداد جيد وتدريب نوعي وتحسين وضعه الوظيفي والمعيشي وإشراك المعلم في بناء السياسات التربوية أو إبداء الرأي فيها يجعل من موضوع اعتماد (رخصة مزاولة مهنة التعليم) وتجديدها كل بضعة أعوام بناء على اختبارات ومعايير محكمة وربط ذلك بالترقي على السلم الوظيفي. فرفع شأن مهنة التعليم وجعلها من المهن العليا في الدولة لا يعني توفير الامتيازات للمعلمين فقط، بل يعني أيضاً جعل المهنة حيوية تلزم المعلم تطوير أدائه وشخصيته بشكل مستمر، وتجعل منه مواكباً بشكل شخصي لحركة التغيير الاجتماعي التي تعيشها البحرين والتي تؤثر، لا محالة، في أنماط التعليم المقدمة للطلبة، وتجعله أيضاً متتبعاً للتحديثات التربوية التي يشهدها العالم.وأياً كانت التحديات في حقل التعليم، فكل معلم يفخر بأنه أستاذ الطبيب والمهندس والوزير والرئيس. وكل معلم يسعد وهو يرى طلبته في كل موقع يخدمون وطنهم ويقدمونه عن غيره في الخدمات والعون. بعض طلابنا نلتقيهم ولا نتذكر أسماءهم وبعضهم نذكر لهم مواقف طيبة أو مخالفات سلوكية، لكنهم جميعاً يبادروننا بضحكة خجولة وتقدير كان للزمن دور خاص في بلورته وإنضاجه. تلك الحفاوة التي نقابلها مع كل طالب ترفع صوتاً في أعماقنا يردد نشيده الدائم: ارفع رأسك فأنت معلم.