هنا مثال ربما كان مناسباً لبيان حالة الوفاق وما تؤدي إليه تصرفاتها ومواقفها. موظف يعمل في إحدى الوزارات، خرب علاقته مع الوزير ودمر علاقته مع وكيل الوزارة ودخل في مشاجرات مع الوكلاء المساعدين والمديرين ولم يبقَ له إلا مدير واحد يتواصل معه ويربطه مع الإدارة العليا، ثم بعد حين اتخذ موقفاً سالباً من هذا المدير أيضاً فلم يبقَ له أي خيط يربطه معها، ولكن لأن هذا الموظف يرغب في الحصول على ترقية لذا عبر عن رغبته هذه وطلبها. ترى هل من بين المسؤولين في الوزارة من يمكن أن يتحمس له ويساعده كي يحقق له هذه الرغبة؟ الموظف قطع كل الخيوط وحارب الجميع ثم جاء على غير استحياء يطلب ترقية لا يستحقها من الأساس، فمن يمكن أن يكون له المعين؟ هذا هو واقع جمعية الوفاق ومن صار تحت لوائها من جمعيات سياسية سلمت رقابها لها وفوضتها لتتحدث باسمها. الوفاق قطعت كل الخيوط مع الحكم وتعلقت بخيط واحد، وعندما ساعدها ذلك على تحقيق ما تسمح به المرحلة من مطالبها رفضته واعتبرت ما يحدث مسرحية وحيلة ومحاولة التفاف على مطالبها وأسرعت بتسيير مسيرة لتأكيد موقفها الرافض. القصة باختصار أنه كان للوفاق خيط تتواصل به مع الدولة فقطعته، فمن بقي لها؟ وكيف ستتواصل مع الدولة في المرحلة المقبلة؟ ومن يمكنه أن يساعدها على توصيل رغباتها والحصول على ما تريد الحصول عليه؟ هذا يشبه ما حدث ذات مرة في أحد سباقات الهجن بإحدى دول التعاون التي كانت تنقل على الهواء مباشرة، حيث ظلت الناقة المسماة «المينونة» وهي «سبوق» -أي مشهورة بالفوز في سباقات الهجن- تتقدم السباق وكان المعلق يشيد بأدائها ويمتدحها ويكرر اسمها، ثم عندما اقتربت من خط النهاية ولم يبقَ أمامها إلا أمتار قليلة غيرت اتجاهها فعادت في الطريق المعاكس فمكنت غيرها من الوصول إلى الفوز، بينما المعلق كان يصرخ بأعلى صوته «المينونة.. المينونة.. أسمي إنك مينونة»! ما قامت به الوفاق أخيراً لا تفسير له سوى أنها تعاني من مشكلة في قدراتها العقلية، وإلا كيف لجمعية لم يعد يربطها بالدولة سوى خيط أن تقطعه عبر اتخاذها ذلك الموقف السلبي الذي لا يضر بها فقط، ولكن يتسبب بالضرر على البلاد فأدخلت الجميع في دائرة فوضى جديدة صار صعباً حتى خروجها هي منها؟ عدم تمكن الوفاق ومن معها من اقتناص اللحظة التاريخية واستعجالها في اتخاذ المواقف السالبة يؤكد أنها دون القدرة على العمل السياسي الذي أبسط أساساته هو أنه لا يمكن الحصول على كل ما يراد الحصول عليه دفعة واحدة، فهناك أمور لا تسمح بها المرحلة ولكن قد تسمح بها لاحقاً عندما تتغير الظروف، أي إن عدم حصول السياسي على مطالب معينة في فترة معينة لا يعني أنه لن يحصل عليها أبداً حيث المنطق يقول إن الأحوال تتغير وما يبدو صعباً اليوم قد يكون سهلاً غداً. المؤسف أن الوفاق -ومن صارت تسيطر عليهم من جمعيات سياسية اختارت أن تركن خبرتها جانباً- لم تعد بسبب ضغوط الجمهور الذي أغرته برفع السقف ولأسباب أخرى تعرفها جيداً، تستطيع التفكير بهدوء يوصلها إلى ما تنفع به نفسها وجمهورها والوطن الذي تحمل رايته. الوفاق ليست «مينونة» ولكنها صارت كما «المينونة» التي وصلت إلى خط النهاية وغيرت اتجاهها لسبب لم يعد خفياً.