من الأمور التي لا يتعب المراقب في رصدها هنا في البحرين ظاهرة إلغاء الآخر، فما يمكن ملاحظته ببساطة هو أن الكل صار يرى نفسه فقط في المشهد ولا يرى أحداً غيره، وصار يعتقد أنه هو فقط الصح وغيره الخطأ، وصار يجيز لنفسه إلغاء الآخر مهما كان الآخر رقماً موجباً وأياً هو تأثيره. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر أن البعض وبسبب ضيقه من تصرفات الوفاق يعتبر كل موقف لهذه الجمعية وكل تصريح يصدر عنها دون القيمة، بل يعتبر كل فرد ينتمي إليها دون أن يستحق الاحترام أو ربما نعته بالخيانة وما إلى ذلك من صفات ظل شعب البحرين طويلاً يعتبر من يستخدمها متجاوزاً على العادات والتقاليد والأخلاق. نختلف مع الوفاق وغيرها من الجمعيات السياسية نعم، ولكن نلغيها لا، لأننا منطقاً لا يمكننا أن نلغيها، تماماً مثلما أنها لا يمكنها أن تلغينا أو تلغي غيرنا، فنحن موجودون وهي موجودة، وإلغاء أحدنا للآخر يضر بنا جميعاً ويبعدنا عن الواقع.اليوم لا أحد يستطيع أن ينكر تأثير جمعية الوفاق في الساحة الشيعية، فهي تستطيع أن تخرج شيعة ومن تعتبرهم مناوئين للحكم في مظاهرة في أي وقت، لذلك فإن إلغاء الوفاق بجرة قلم أمر غير ممكن منطقياً وواقعياً، وكذا الـحال بالنسبـــة لـ «المعارضة» لأنها موجودة ولأنه لا بد أن تكون موجودة، دون أن يعني هذا عدم الاختلاف معها، حيث الاختلاف مع «المعارضة» واختلاف «المعارضة» مع الحكومة هو ما ينتج الفعل الذي لا بد أن يؤثر في الحراك المجتمعي ويكسب منه الشعب ما يسهل عليه حياته ويجعله يطمئن إلى المستقبل. في الوضع الطبيعي لا يمكن إلغاء «المعارضة» ولا يمكن لـ»المعارضة» إلغاء الآخر الذي يعارضها، وفي الوضع الطبيعي لا يمكن إلا التفاعل مع «المعارضة» ولا يمكن لـ«المعارضة» إلا التفاعل والتعامل مع الآخر الذي يعارضها، وفي الوضع الطبيعي يكون التعاون بين الطرفين أساساً ومعيناً على التقدم والازدهار ومن دونه تتعطل الكثير من الأمور . الأمر نفسه فيما يتعلق بجمعيات السلف والإخوان وغيرها من الجمعيات السياسية الدينية، لا يمكن أن نلغيها ولا يمكنها أن تلغي من يختلف معها، فهي من دون الآخر تنتهي، والآخر من دونها قيمته أقل وتأثيره أقل، أما الخسران هنا فهو الوطن والشعب. إلغاء الآخر يعني الابتعاد عن الحكمة لأن الآخر جزء منا وإن اختلفنا معه، فلا يمكن شطبه من سجلاتنا، إلغاء الآخر يعني الاقتراب من التقوقع على الذات ويعني أننا لا نريد أن نسمع الصوت الآخر ويعني أننا لا نرى في الساحة إلا نحن.حتى في الساحة الفنية التي تسيطر فيها الأنانية وحب الذات باعتبار أن هذه صفات أساسية في الفنان الذي من طبيعته أنه يرى نفسه أنه الأول والأفضل لا نجد فيها نهج الإلغاء الذي نراه اليوم في الساحة السياسية. إلغاء الآخر يعني التفرد، والتفرد لا ينتج شيئاً لعدم وجود المنافس. لولا الآخر المنافس في عالم الأعمال والصناعات لما توفر المنتج الجيد. هذه بديهيات ينبغي أن ننتبه لها كي لا ننشغل بإلغاء الآخر بدل أن نحاول الاستفادة منه. الاندفاع نحو نهج إلغاء الآخر يؤكد تأثير العاطفة علينا وتحكمها فينا، فنحن شعب عاطفي، ولولا أننا كذلك لتمكنا من حل المشكلة في وقت مبكر. العواطف هي التي تدفعنا نحو اتباع هذا النهج والدعوة له لأن للعقل طريقاً آخر يعتمد الواقع والمنطق، والواقع والمنطق يقولان إنه لا يمكن إلغاء الآخر أياً كان هذا الآخر وأياً كان موقفنا منه