بات المشهد واضحاً لجميع دول الخليج، الإيقاع الأمني والسياسي السريع الحاصل في المنطقة يؤكد عدم وجود خيار أمام التحديات الأمنية التي تواجهها سوى الشروع في إشهار الاتحاد الخليجي في أسرع وقت ممكن، ولقد أكدنا سابقاً في مقالاتنا أن الاتحاد الخليجي لم يعد مجرد خيار في الوقت الحالي، إنما أصبح ضرورة حتمية ومطلباً أساسياً في ظل إيقاع التحولات الحاصلة من تغير معادلات القوى الإقليمية في المنطقة، حيث باتت الأحداث المتتالية مع تسلسل الأيام تؤكد ذلك أكثر والصورة تزداد وضوحاً وظهر جلياً حجم المؤامرة الكبيرة التي تتصدرها إيران لتفكيك دول شبه الجزيرة العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي تعد أكبر غنيمة سياسية لها، وأصبحت الأمور واضحة وساطعة كما الشمس!هناك محاولات جارية فيما يخص مشروع «المد الصفوي»، الذي وجد أنه لا يمكن له أن يفلح زمنياً في احتلال دول الخليج داخلياً مباشرة، أو المواجهة معها عسكرياً – رغم أنه أوجد بداخلها بعض الجماعات الإرهابية التابعة له والتي أخذت في التكاثر والانتشار خاصة في الكويت والبحرين والسعودية – لكنه يعتقد أنه بإمكانه البدء أولاً بمحاصرة دول الخليج وتطويقها إرهابياً واحتلال الدول التي تتشابك معها في الحدود شمالاً وجنوباً للانتقال إلى الخطوة الأهم وهو احتلالها وإسقاط أنظمتها فبدءاً من تطويقها ومحاصرتها بجماعاتها الإرهابية شمالاً متمثلة في لبنان وسوريا والعراق من جهة، ومن جهة أخرى جنوباً أي من اليمن، التي لا نعلم لماذا غفل عنها جيرانها، خاصة فيما يتعلق بأهمية استثمار موقعها الجغرافي الهام في أن تكون محمية أمنية لهم كونها تتقاطع حدودياً مع المملكة العربية السعودية جنوباً!يؤسفنا اليوم كعرب قبل أن نكون خليجيين أن نجد دولة «بنك العرب أي أصل العرب ومتحفهم التاريخي» تسقط بيد جماعة إرهابية أنشأتها إيران، ويؤسفنا أكثر أن نجد دول الخليج حالها اليوم يجسد بالضبط مقولة «آخ من ظهري وآخ من بطني» ففي الوقت الذي تدعم فيه الحرب الإقليمية المتمثلة في ضرب تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» بالعراق وسوريا، مع كل ما يرجع عليها ذلك من تحديات لها وتبعات أمنية، بات عليها في نفس الوقت ألا تفوت الفرصة التاريخية المتمثلة في عدم ضياع اليمن من قبضة سيادتها العربية لتتحول إلى بؤرة إرهاب داعمة للنظام الإيراني ومصدرة لأجندته من خلال جماعة الحوثيين!الأحداث المتتالية تشعرنا بالمنعطفات التاريخية الهامة التي من الممكن أن تشكل ملامح الأحداث السياسية والأمنية القادمة، وتنبه لأهمية الضغط والتركيز على ملف اليمن الأمني وعدم تمرير هذه اللحظات التاريخية المصيرية في مجابهته والتحرك لمواجهته، أمام المجتمع الدولي وبالذات مجلس الأمن الدولي حيث الضرورة تفرض نفسها على أهمية أن يكون هناك موقف خليجي حازم تجاه ما يحدث في اليمن وعقد اجتماعات طارئة لتداوله وبحث مستجداته، والتسابق مع الوقت لفرض مشهد سياسي، يخدم أمن دول الخليج لا أن يضر به، ولضمان عدم تكرار سيناريو العراق، وحتى لا نجد دول الخليج تعاني لاحقاً من انفراط اليمن من عقد الدول العربية الداعمة لأمنها، كما اكتشفوا اليوم «مطبهم» الكبير وحجم خسارتهم الفادحة في العراق، والتي كانت لها انعكاساتها الكبيرة على أمن المنطقة واستقرار الخليج، فالعراق تحول بعد إسقاط نظامه إلى ساحة مضطربة، تهدر فيه دماء أبنائه، وبات محاولات ترقيعه أمنياً صعبة، بعد أن امتلأ بالجماعات الإرهابية المسلحة من إيران، التي أخذت تؤثر على أمن الخليج وتشكل مصدر تهديد لها.الحرب على الحوثيين وإعادة استقلال اليمن، لا يقل أهمية أبداً عن الحرب على داعش، التي بالأصل أيضاً تدرج ضمن المخططات المحاكة ضد الخليج، من خلال تشكيل قوة إرهابية مستقطعة من أبناء أهل السنة أنفسهم، وبعض أبناء الخليج والعرب، الذين ضللوا بأفكار ومخططات عنصرية متطرفة، ليتحاربوا ويتقاطعوا، ويوجدوا مزيداً من الإرباك في الساحة السياسية، مقابل الحرب من الجهة الأخري، مع جماعات المد الصفوي، فهناك حاجة لأن يكون الوضع الأمني في اليمن والاستقرار متسقاً مع استقرار الخليج، فالفضاء الخليجي الذي بات غائماً، وبين نارين، نار داعش، ونار المد الصفوي، ومع بدء الحرب على داعش، لن تبدد غيومه إلا بفرض التكامل الأمني الخليجي، وإطفاء نار الحوثيين معهم، التي بدأت بشرارة الفتنة، ولابد من إطفائها، قبل أن تنتشر كحريق غير قابل للإخماد بعدها.إن المنزلق التاريخي الخطير الحاصل في اليمن يكشف عن تورط جهات دولية ومؤامرة كبيرة حاصلة لها أبعادها، وكما ذكرت إحدى الصحف الإيرانية التي زعمت أن «سقوط صنعاء مقدمة لسقوط المملكة العربية السعودية أو على الأقل التهام حدودها الجنوبية وتفكيكها»، وهذا يعني أن سعير الحرب على أمن الخليج لن يخف في الفترة القادمة، إنما سيزداد، وإن دول الخليج مستهدفة أمنياً اليوم أكثر من أي فترة ماضية، لذا لم يعد تعويل الأمور على «البركة» ممكناً، إنما هناك حاجة للاتحاد الأمني والعسكري والتكامل الخليجي لاستباق الأحداث وإنشاء مركز خليجي للدراسات والأبحاث السياسية، يبحث الوضع الأمني للخليج، ويأتي باستراتيجيات لمنع تآكل شبه الجزيرة العربية أكثر، فالدرس التاريخي البليغ الذي يفطن إليه حالياً أن من حاول فرض عصابة المالكي في العراق لإهدار الوضع الأمني قبل إهدار دماء المسلمين، هو نفسه من يحاول فرض إرادة الحوثيين اليوم على اليمن، خاصة وأن أسلحة الجيش اليمني باتت في يدهم، مما يعني بدء تصاعد قوة عسكرية جديدة تهدد أمن دول الخليج، فما المشاهد والأحداث الأكثر خطورة التي تنتظرها دول الخليج حتى تنتبه للعد التنازلي في قرع طبول الحروب العسكرية ضدها؟!