كغيري من كثيرين من كتاب الأعمدة قررت في لحظة أن يكون مقالي لهذا اليوم «فرايحياً» بعيداً عن السياسة وهمومها، على الأقل كي لا أكون سبباً في التنغيص على القراء وتقليب المواجع عليهم في يوم يفترض أن تغيب فيه هذه الأمور كونه يوم فرح بتمكن ضيوف الله من أداء مناسك الحج، لكن للأسف يبدو أن هذا الأمر صعب، فالأحداث لا تتوقف وتأجيل التعليق على بعضها يشعر الكاتب وكأنه ارتكب إثماً، ذلك أن من الأحداث ما لا يمكن إلا التعليق عليها واتخاذ موقف محدد منها في التو والحال. ليس الأحداث المحلية فقط، ولكن الإقليمية أيضاً والعربية والدولية، فما يجري في أي بقعة من بقاع العالم صار يؤثرعلى العالم كله. إن خبراً مثل قيام إيران بتقديم هدية للبنان تتمثل في كمية من الأسلحة والمعدات العسكرية لتواجه بها الأخطار التي تتهددها له تأثير على كل المنطقة، وهو يربط بطريقة أو بأخرى بالأحداث في كل هذه الدول بما فيها البحرين التي من الواضح أن تطورات الأوضاع فيها صار يقلق إيران، وصارت تنتظر الفرصة كي تقدم هديتها لمن يمكن أن يعينها على تخفيض نسبة القلق تلك، وبالتالي فإن تصريح حزب الله الأخير عن البحرين وانتقاد طريقتها في معالجة الأزمة لا يمكن إلا القول عنه إنه يدخل في هذا الاتجاه. كما أن خبراً مثل التهديدات التي تم توجيهها أخيراً من قبل بعض الخليجيين المنتمين إلى داعش على شكل رسائل لا يمكن تأجيل الحديث عنها واتخاذ موقف منها بسبب العيد أو حتى غير العيد، فكيف إذا كانت الأحداث محلية بحتة؟بالتأكيد لا يمكن إلا تناولها بالتعليق عليها والمساهمة في بيان الأحوال والتحذير من تطوراتها، فهذا دور أساس يقوم به الكاتب الصحافي ويقع ضمن مسؤولياته.اليوم ورغم فرحة أهل البحرين بعيد الأضحى المبارك إلا أنهم لا يمكن أن ينشغلوا عن الانتخابات وموقف جمعية الوفاق منها، وما يجري في قرية الدراز حالياً من «مباحثات» بين وفود إيرانية والشيخ عيسى قاسم، والإعلان المتوقع أن يصدر على شكل تصريح لأمين عام الوفاق بثبوت هلال الانتخابات من عدمه، حيث كان قد صرح قبل يومين من العيد بأن الوفاق ومن صار يأتم بها من الجمعيات السياسية ستعلن موقفها من المشاركة في الانتخابات بعد عشرة أيام.لم يعد ممكناً أن يخلو عيد الناس في البحرين من السياسة، ولم يعد ممكناً للكاتب أن يشارك الناس في يوم العيد بمقال فرايحي لعله يسهم به في إزالة شيء من الهم والكدر الذي انتشر «بفضل سوء استعمال السياسة» من قبل الطارئين على العمل السياسي ممن استغلوا فرصة خلو الساحة من السياسيين الحقيقيين واستغلوا فرصة ضعف الجمعيات السياسية ذات التاريخ والخبرات السياسية واضطرارها لتصير ذيلاً لجمعية دينية تمثل طائفة محددة، فأحكموا قبضتهم على الشارع الذي لم يجد أمامه قائداً فاعتبروهم قادته. ليس عدلاً الكتابة في هذه الموضوعات في يوم العيد ولكنه الواقع الذي صرنا نعيشه حتى وصلنا إلى مرحلة صار فيها القارئ يرمي جانباً كل مقال يشم منه رائحة الفرح أو بدا له من عنوانه أنه لا يتناول التطورات والأحداث المحلية. هناك دليل إضافي على أن ضحايا الوفاق ومن صار معها ومن صارت تخشاه (ائتلاف فبراير) لم يعودوا يشتهون الفرح ويصرون على النكد، وهو أن عمليات اختطاف الشوارع بإشعال النيران في إطارات السيارات وإزعاج الناس وتعريض حياتهم للخطر لم تتوقف حتى يوم أمس (يوم الوقفة)، والأكيد أنها لن تتوقف في «هذا اليوم الذي جعله الله سبحانه للمسلمين عيداً ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ذخراً وشرفاً وسؤدداً وكرامة ومزيدا».