تجتاح أوروبا حمى دعاوى قضائية تنظرها المحاكم وشكاوى أمام المدعين العموميين تقدم بها مواطنون عرب ضد شخصيات عامة في بلدانهم، فمنذ فبراير 2014 شهد مكتب المدعي العام الفرنسي ومحكمة باريس دعاوى وشكاوى تقدم بها ضابط مغربي مسرح من القوات المسلحة، يليه مهندس مسرح من إحدى شركات القطاع العام، وليس آخرها الضجة التي أثارها الملاكم المغربي، زكريا المومني، موجهاً تهماً بالخطف والتعذيب لمدير المخابرات المغربية أثناء تواجد الأخير في باريس لحضور مؤتمرٍ عقد فيها مؤخراً حول الإرهاب.لم تكن الشخصيات الشاكية ولا عناوين الشكوى مثيرة للانتباه في عالمنا العربي الذي يشهد أحد أخطر منعطفاته، ولكن الأمر الذي استوقف المتابعين وغير مجرى الأحداث كان خبراً نشرته أسبوعية «لونوفيل أوبسرفاتور» وصحف أخرى حول لقاء جمع بعض تلك الشخصيات مع معارض مغربي وازن.كان ذلك وحده كفيلاً بتقديم تفسيرات حول نوعية المحامين وحجم الإنفاق وغيرها من الأمور التي بدت محيرة في الأحجية المغربية بتوقيتها وملابساتها، ولأن الأمر لا يختلف كثيراً من أقصى غرب العالم العربي لأقصى شرقه؛ فليس من قبيل المصادفة أن تمر على البحرين نفس الموجة، وإن كان الأمر لا يحتاج إلى كثير عناء لمعرفة المخطط والممول والمساند، فهو أكثر وضوحاً وأقل توارياً.وعليه فقد كانت الضجة المثارة مؤخراً انطلاقاً من لندن محاولة بائسة لخلق ساحة جديدة للمكايدة السياسية البعيدة كل البعد عن البحث الصادق عن تحقيق العدالة روحاً ومعنى، فمن تقدم بالشكاوى والدعاوى يعلمون أن محاكم لندن التي يحتمون بها تقف متفرجة على زوارها الإسرائيليين المتهمين بجرائم إبادة جماعية، لأن لغة المصالح السياسية والاقتصادية أعلى من كل ما سواها، فكيف إذا كان الأمر مقتصراً على شكاية مجهولة من مدعٍ مجهول تجاوز لجنة تقصي الحقائق الدولية التي استقصت وبحثت وناقشت مئات المتضررين باستفاضة، ودرست أكواماً من الشكاوى المطروحة بخصوص أحداث 2011 المأساوية، وما تمخضت عنه تلك اللجنة بقضاتها الدوليين وخبرائها ذوي السمعة من توصيات شملت نتائج عديدة على كافة المستويات، الأمر الذي جعل مشهد لندن الأخير يشبه الرقص حول نارٍ ترمي فيها أطرافٌ متعددةٌ الحطب لتزيدها اشتعالاً.ولعل ليس من المؤكد المدى الزمني الذي قد يذهب إليه ذلك المشهد، ولكن الأكيد أن هناك استراتيجية أوروبية جديدة قائمة على الابتزاز ومرتكزة على الانتهازية، وهي لعبة تبرع فيها لندن منذ عقود.- ورق أبيض..ذكرتني سياسة لنــــدن بمثــــل قديــم يقــــــول (Eat with the wolf and crying with the Shepherd) يأكلون مع الذئاب ويبكون مع الراعي.
Opinion
لندن.. تأكل مع الذئب وتبكي مع الراعي
09 أكتوبر 2014