أخبرني إداري سابق أنه فرح كثيراً عندما علم عن إمكانية إنجاز معاملة طلب خادمة منزل من مراكز البريد بدلاً من الوزارة أو الإدارة المعنية وأنه اعتبر ذلك تطوراً مهماً. أضاف الإداري أنه ذهب إلى واحد من تلك المراكز التي بدأت توفر هذه الخدمة المتميزة ليقدم طلباً للحصول على تصريح خادمة فأعطوه استمارة قام بملئها بما يلزم من معلومات وسلمها للموظفة، لكنه فوجئ بأنها تطلب منه شهادة راتب وصوراً من البطاقة السكانية لجميع ساكني المنزل. يقول الإداري إنه سأل الموظفة؛ ألسنا حكومة إلكترونية فأجابت بنعم، فسألها فلم إذاً كل هذه الأوراق؟ بإمكانك أن تدخلي من خلال جهاز الكمبيوتر الذي يفترض أنه مربوط بالأجهزة ذات العلاقة لتحصلي على ما هو مطلوب من معلومات عن الراتب وساكني البيت وغيرها من معلومات. ويضيف أن الموظفة قالت له إنها تتفهم هذا وأن هذا هو الصحيح ولكنه «السيستم». يعلق الإداري بقوله إنه لا يمكن أن تكون لدينا حكومة الكترونية نص ونص، ثم ما الذي سيفعلونه في كل هذه الأوراق بعد ذلك؟ هم يريدون أن يتأكدوا من أن صاحب الطلب يتسلم راتباً شهرياً لا يقل عن المقرر الذي يؤهله لكفالة خادمة، ويريدون أن يعرفوا عدد ساكني البيت وأعمارهم كي يتأكدوا من أن صاحب الطلب قد حقق الشروط المطلوبة للحصول على التصريح، وكل هذا متوفر في الجهاز لديهم فلماذا يضيعون وقت الناس ويجمعون كل هذه الأوراق التي لا أعرف ماذا سيفعلون بها!في السياق نفسه يمكن التساؤل عن كمية الأوراق التي تطلب من مراجعي الإسكان من طالبي الخدمات الإسكانية في الوقت الذي يمكن للموظف أن يصل إلى كل المعلومات المطلوبة من خلال الكمبيوتر، وكذا الحال مع الخدمات البلدية التي يبدو أنها -حسب البعض- تستهوي الورق ولا تزال دون القدرة على استيعاب أن الزمن تغير وأن الحكومة الإلكترونية تعني الاستغناء عن الورق توفيراً للوقت وللجهد اللذين يمكن الاستفادة منهما في أمور أخرى. لعل الرد العملي على الجهات التي لا تزال تطلب الورق لإنهاء المعاملات البسيطة كالتي تم ذكرها هو خطوة تجديد البطاقة السكانية، حيث تم وضع لافتات إرشادية في الطرقات والأماكن العامة وأوصلوا إلى الجميع معلومة ملخصها أنك لست في حاجة إلى الذهاب إلى مركز السجل السكاني لتجديد البطاقة، فكل ما عليك هو أن تتصل على رقم معين أو تدخل على موقع معين وتودع المعلومات المطلوبة وترفق بها صورة إلكترونية فيتم على الفور إعلامك بقبول الطلب وساعة تسلم البطاقة الجديدة. ربما الإشكالية الوحيدة في هذا والتي تؤخذ على الحكومة الإلكترونية تكمن في أنه يتوجب على صاحب البطاقة أن يذهب إلى مركز السجل السكاني لتسلمها في وقت يوجد فيه بدائل أخرى تغني عن هذه الخطوة مثل قيام السجل بتوصيل البطاقة إلى حيث يتواجد طالبها عبر توظيف الخدمات البريدية مثلاً. ربما لن يكون مناسباً الحديث عن بدء بعض الدول في القيام بخطوة توصيل البطاقة بطائرات الهليكوبتر الصغيرة جداً التي تصل إلى حيث يتواجد صاحب الطلب ويستخرج البطاقة منها بفتحه غطاء صندوق خاص فيها ببصمته. ليس المراد من هذا التقليل من الخطوات التي قام ويقوم بها المعنيون بالحكومة الإلكترونية فالمقارنة بين أين كنا وأين صرنا في صالحهم دونما شك ولكن القصد هو الدفع صوب اختزال الخطوات المضيعة للوقت بوقف طلب الأوراق الثبوتية لكثير من الخدمات خصوصاً وأن المعلومات التي يراد الحصول عليها من الورق يوفرها الكمبيوتر الذي يربط بين مختلف الجهات ذات العلاقة ويمكن الوصول إليها ببساطة بينما السعي للحصول على كل هذه الأوراق يزيد من الضغط على الشوارع والجهات المعنية بالوزارات والإدارات الحكومية.
Opinion
ملاحظات في الحكومة الإلكترونية
29 سبتمبر 2014