لعلي الوحيد من بين المنتمين إلى الأمة العربية الذي لم أصدر حتى هذه الساعة بياناً أدعو فيه إلى دعم الشعب الفلسطيني ومناصرته وهو يواجه في شهر الله هذه الهجمة الشرسة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، فالجميع أصدر البيانات فور حدوث العدوان، ولعل بعضها تم استخراجه من الأرشيف الخاص بالبيانات العربية -قسم فلسطين- كسباً للوقت!بالتأكيد لا أحد يلام على إصدار البيانات المتعاطفة مع أهل غزة وتلك التي «تشيم» إسرائيل لوقف اعتداءاتها، فالخطب جلل ويتم متابعته عبر أجهزة التلفزيون على الهواء مباشرة، وطالما أنه ليس بيد أحد -بما فيهم المسؤولين العرب- فعل شيء مفيد فلا بأس من إصدار البيانات التي لاتزال غير ممنوعة!بين اليوم الأول للاعتداءات الإسرائيلية واليوم عقد العرب بمختلف أطيافهم عشرات الاجتماعات «للتنسيق والتباحث» في ما يجري والاتفاق على كيفية مساعدة أهل غزة، صحيح أن كل تلك الاجتماعات لم تسفر عن مفيد، لكنهم على الأقل اجتمعوا، فعقد الاجتماعات وإن لم تسفر عن أي شيء أفضل من عدم عقدها، لأن عدم عقدها يعني التكاسل وهذا ليس من شيمة العرب ولا من أطباعهم!هنا مقتطف من واحد من تلك البيانات.. «مرة جديدة، يواجه الشعب الفلسطيني عدواناً همجياً تشنه آلة الحرب الصهيونية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مستنفرة في سبيل ذلك عشرات الآلاف من الجنود ومستخدمة كل أنواع الأسلحة المتطوّرة. مرة جديدة يسقط الشهداء والجرحى بالعشرات، ويلجأ العدو عبر مستوطنيه إلى الخطف والاغتيال وهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، فيظل صمت عربي رسمي مريب وتجاهل كامل من قبل الأمم المتحدة». «طيب، وبعدين؟»!هنا مقتطف آخر.. «إن هذا الإرهاب المتمادي وتلك الجرائم الموصوفة، المدعومة من قبل الإمبريالية الأمريكية والرجعية العربية، تدعونا للتحرك بكافة الأشكال المتاحة من أجل دعم مقاومة الشعب الفلسطيني الهادفة إلى تحرير أرضه المحتلة وإلى الدفاع عن حقه في إقامة دولته الوطنية وعاصمتها القدس». «لكن لا يتم التحرك. ربما لأنهم يعتبرون إصدار البيان هو التحرك»!أما الذين بالفعل أتعبوا أنفسهم ولم يكتفوا بإصدار البيانات؛ فهم أولئك الذين دعوا إلى النزول إلى الشارع للتعبير عن غضبهم ورفضهم لما تقوم به إسرائيل، وقرروا المشاركة في «أوسع حملة تضامن عربية وعالمية لوقف العدوان الهمجي.. وكبح جماح المعتدين»!.. واعتبروا ذلك عملاً يؤجرون عليه من رب العباد، خصوصاً وأن النية معقودة على الانتصار لفلسطين وشعبها!أما البيانات الرسمية، سواء تلك التي صدرت أو ستصدر عن جامعة الدول العربية أو عن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، فليست ذات قيمة ولا تستحق حتى الإشارة إليها. ولكن حقيقة، ما الذي بيدنا وبيد كثير من دول العالم فعله سوى إصدار البيانات؟ إسرائيل متجبرة ولديها من القوة ما لا يمكن لكثيرين مواجهتها، وهي إن ضربت أوجعت، والبلاد العربية والإسلامية لا حول لها ولا قوة، ولا تستطيع أن تفعل ما قد يؤثر على مصالحها، فليس لها إلا أن تصمت، وأن تتابع ما يجري على ملعب غزة عبر التلفزيون، والتصفيق للمقاومة الفلسطينية إن أطلقت بعض الصواريخ على إسرائيل حتى وإن سقطت في مناطق مفتوحة ولم توجع!ليس من الذوق القول إن العرب خذلوا فلسطين وخذلوا أهل غزة وإن هم بالفعل فعلوا ذلك، وليس من العدل القول إن بعض العرب اكتفى بالتبرع ببعض المال لمساعدتهم على التحمل، حيث الجهاد يكون بالمال أيضاً، ويبدو أنه ليس من الذوق ولا العدل أيضاً أن أكون الوحيد الذي لم يصدر بياناً متعاطفاً مع أهل غزة حتى الآن، فانتظروا بياني!