في بعض القطاعات مسؤولون باختلاف تراتبيتهم يتصرفون فيها وكأنهم يتصرفون في بيوتهم.. هناك ظلم للموظفين.. هناك تحيز وتمييز.. وهناك سوء إدارةيتذكر الإخوة الكرام القائمون على قسم الجرائم الاقتصادية اتصالات هاتفية قمت بها شخصياً حينما أعلنوا عن «خط الفساد» قبل سنوات، وكيف أنني حاولت عبر التجربة بنفسي أن أقيس مدى نجاعة الخطوة وهل بالفعل بإمكانك التبليغ عن أية تجاوزات لديك فيها أدلة وشواهد، وهل بالفعل يتم اتخاذ إجراء فيها؟!قمت بالاتصال بنفسي للتبليغ عن قضيتين، وبالفعل حصل التفاعل مباشرة وجاءتني اتصالات تستفسر وتطلب المعلومات، ولهم كل الشكر والتقدير.لكن رغم ذلك كان التساؤل في ذهني بشأن أسلوب التعاطي وهل تم بهذه الصورة والاهتمام لأنني «كاتب» لي مساحتي في الصحافة اليومية أكتب فيها وأنتقد وأكشف الأخطاء، أم لأنني مواطن عادي أكتشف أموراً خاطئة وأريد التبليغ عنها بنية الإصلاح والتصحيح؟!أظن بأنني حينها عرفت الإجابة، والتي هي بديهياً يدركها الناس، إذ لولا «قوة القلم» لربما كان الاهتمام أقل مستوى، أو لربما ضاعت المسألة وذهبت الشكوى داخل الأدراج، وهنا لست أعني الخطوة الطيبة التي أسست بها مثل هذه المبادرات ولا القائمين عليها الذين نعرف مقدار تفانيهم وإخلاصهم، لكنني أفكر بصورة أكثر شمولية معنية بدور المواطن وبالأخص في القطاعات الحكومية.أؤمن تمام الإيمان بأن أي قطاع حكومي هو ملك للدولة وليس ملكاً لأشخاص، الوزارات يعتلي اسمها اسم مملكة البحرين وشعارها وليست معنونة باسم الوزير الفلاني أو العلاني، وكذلك الهيئات وحتى الإدارات، وفي التعريف الصحيح كل شخص يعمل فيها هو موظف، سواء كان وزيراً أم مراسلاً، وله واجبات يؤديها للدولة عبر خدمته في هذا القطاع.لكن في هذه القطاعات -وهي مسألة جد عادية- يحصل كثير من التجاوزات والمخالفات والأخطاء، وفي بعض القطاعات مسؤولون باختلاف تراتبيتهم يتصرفون فيها وكأنهم يتصرفون في بيوتهم، هناك ظلم للموظفين، هناك تحيز وتميز، وهناك سوء إدارة، وكلها أمور أؤمن أشد الإيمان بأن قادة البلد لا يقبلون بها على الإطلاق، إذ القناعة بأن المسؤول حينما يتم توليته على قطاع يكون مؤتمناً عليه، حريصاً ألا يستغله أو يأخذ نفوذ وقوة المركز ذريعة ليلعب في المكان على هواه.مثل الفكرة المتقدمة عبر «خط الفساد»، نحتاج أن نشجع الناس على الحديث بكل شجاعة وصدق وجرأة عن أية تجاوزات يرونها تحصل في مواقع عملهم، سواء عبر هذا الخط أو إنشاء خط معني بالتجاوزات الإدارية حتى لو كان مربوطاً بديوان الرقابة المالية أو أية جهة مهمتها محاربة الأخطاء في البلد.هناك كثير من المواطنين الذين يعملون في القطاع العام يتصلون بالصحافة ويكلمون كتاب الأعمدة للتبليغ عن تجاوزات وتصرفات خاطئة وأخطاء إدارية فادحة، وهنا حينما تتأكد الصحافة عبر وجود الأدلة والإثباتات تقوم بالكتابة وفضح هذه الممارسات وكثير من الأمور تلقى تجاوباً من بعض المسؤولين، ولدينا حالات بالفعل تم اتخاذ فيها إجراءات.لكن الفكرة معنية بدفع المواطن للقيام بدوره المسؤول في موقع عمله، واليوم أحوج ما لدينا هو تشجيع المواطن على كشف الفساد والأخطاء وإيصالها لجهات أعلى في الصلاحية من القطاع الذي يعمل فيه، إذ أيضا للأسف بعض القطاعات لديها لجان تحقيق ولجان للجزاءات، لكن للأسف بعضها يعمل لحماية المسؤولين والتغطية عليهم بدلاً من محاسبتهم وإيقاف تجاوزاتهم عند حدها.دائماً أقول لمن يشتكي ويوصل لنا الأخطاء بما معناه أن تكلم وأوصل الشكوى وحتى بلغ في «خط الفساد»، لكن كثيراً يرد علي بالقول: طيب وإذا بلغنا وقرنا التبليغ بالأدلة والإثباتات والشهود، هل تضمن لنا عدم تضررنا، هل تضمن لنا توفير الحماية؟! وعند سؤالهم لماذا يحتاجون هذه الحماية والضمانات، يردون علينا بأن بعض المسؤولين -حتى وإن كان موغلاً في الفساد والأخطاء الإدارية- بمجرد معرفته بأنه بُلغ عليه يبدأ عملية انتقامية للموظف ويحول حياته إلى جحيم، والأمر أنه يتصرف وكأنه يدير بيته الخاص لا مكاناً ملكاً للدولة.هي حقيقة يا جماعة، وكلامنا يوجه لأصحاب الضمائر من كبار المسؤولين، هناك ممن يتصرف وكأنه فوق القانون وكأنه الحاكم الآمر الناهي في القطاع ويتصرف مع من يقف له وينتقد أخطاءه ويبين تجاوزاته ويذكره بأنه موظف حاله حاله، يتصرف معه بانتقام فاضح وتضييق وكأن لا أحد فوقه يردعه ويقومه ويصحح تصرفاته.نريد للناس أن تتكلم بحرية، أن تنتقد، أن تكشف الأخطاء بالأدلة -مثلما يفعل ديوان الرقابة- أن تدافع عن الدولة بوقف التجاوزات، لكن هل بالفعل نحن نوفر لهم الحماية وندرأ عنهم الضرر وانتقام بعض ميتي الضمائر وضعاف النفوس من مسؤولين نسوا أنهم موظفون واعتبروا القطاع أملاكاً خاصة لهم؟!دعوا الناس تتكلم واحموا من يأتيكم بإثبات ودليل، وأوقفوا كل المتجاوزين والفاسدين حينها نصلح قطاعاتنا وننظفها من كل درن وفساد، وحينها ينصلح حال البلد ويوضع الأكفاء والأمناء المخلصون في مواقع المسؤولية.
Opinion
نطالبهم بالتبليغ عن الأخطاء.. لكن هل نحميهم؟!
29 سبتمبر 2014