في عصر القلق ورهبة القضايا الدولية العابرة للحدود يمكن تبرير الإرباكات، ومن ذلك دفاع الأمريكان الغريب مطلع هذا الشهر عن وصول 2300 عنصر من مشاة البحرية الأمريكية للكويت، وكأن حرب داعش وصمة عار يجب ألا تلوث سمعة مشاة البحرية أو الكويت، بل إن البنتاغون قد صك مصطلح «الصبر الاستراتيجي» الجديد وهو يوبخ من لمح لارتباط قضية المارينز بالكويت مع الحملة الجوية ضد «داعش».فالرئيس، كما قالت وزارة الدفاع، مازال مع مستشاريه يناقشون أفضل خطوات التدخل، ونستطيع تفهم بعض ذلك، فقد كانت أفغانستان والعراق «تمرين عبور مستنقعات» لم تنجح العسكرية الأمريكية في اجتيازه، فقد وعد البيت الأبيض الشعب الأمريكي بعدم تكرار الاقتراب من الأرض والاكتفاء بشن الحروب الجوية أو البحرية، أما فيما يخص الكويت فلا أعتقد بوجود حرج جراء وصول المارينز لأعلى المستويين الرسمي وليس على المستوى الشعبي، فقد تم إهدار دم جحافل «داعش» الهمجية حين وضعت «الدولة الإسلامية» دولة الكويت ضمن خرائطها السوداء، فإذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا يأتي المارينز وما هي مهامهم القتالية؟في منتصف عام 2012م كتبت عن استراتيجية «زنبق الماء» الأمريكية في الخليج، وكنت مع بعض المراقبين العسكريين نتساءل إن كانت واشنطن قد صرفت النظر عنها، فقد طال الأمد ولم يتم تطبيق تلك الاستراتيجية التي أرى أن من الضروري العودة لبعض نقاطها الرئيسة حتى نفهم سبب إرسال المارينز للكويت. أعتذر مقدماً؛ فقد أعدت صياغة تلك النقاط بطريقة قريبة من الأصل الذي كتبته قبل عامين ربما أكثر مما ينبغي، فقد كتبت في السابق أن دراسة من مجلس العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في منتصف يونيو 2012م أظهرت أن واشنطن قد حسمت إدراكاتها العسكرية لما يجري في الخليج بتطبيق استراتيجية ورقة زنبق الماء «lily pad» في المنطقة. وقد وضعت خطوطها العريضة في عهد الرئيس بوش الابن؛ إلا أن الجديد كان أن تمثل الكويت ورقة زنبق الماء الخليجية؛ فقد بدأت وزارة الدفاع الأمريكية في التحول من القواعد العسكرية الضخمة إلى قواعد أصغر حجماً وأكثر عدداً، وهذا هو جوهر استراتيجية ورقة الزنبق التي تعتمد على السماح للقوات الأمريكية بالتحرك المرن بسرعة من إحدى ورقات الزنبق المنتشرة قرب المناطق الساخنة لوقف خطر يهدد مصالح أمريكا، وتستخدم هذه القواعد الصغيرة لتكون نقطة عمليات «هجومية» لنقل القتال لأرض الخصم، ومن جدوى ذلك شن الهجمات في أية وقت دون تكبد كلفة القواعد الكبيرة التي تحرج الدول التي تحتضنها، ويستعاض عن كثرة القوات برفع قدرة وحدات المناورة.لقد تمنعت الكويت في قبول الوضع الجديد؛ إلا أن تحديات عدة قد غيرت موقفها، فإصرار واشنطن كان مبنياً على أنه إضافةً إلى موقعها شمال الخليج، تتمتع الكويت بعلاقات جيدة مع واشنطن، ويرابط فيها بناء على الاتفاقية الأمنية أكبر حشد عسكري أمريكي في الخليج، وقد عجل بتلك الخطوة الفراغ الاستراتيجي في العراق وخطر النفوذ الإيراني وتبعات الربيع العربي وقيام الإرهاب بنصب مكينة تفريخ في سوريا. وكما ذكرنا قبل سنتين؛ على صانع القرار الكويتي ملاحظته تبعات منها أن الكويت ستكون نقطة انطلاق لقوات هجومية، مما يعني أن الكويت ستكون أرض المعركة، ومركز تلقي ردات الفعل والهجوم المضاد، كما أشرنا للإشكالات القانونية حيال حصانة الجنود الأمريكان، وضرورة احتساب ثمن التسهيلات التي تتلقاها واشنطن مع الكلفة المالية التي ندفعها نظير الاتفاقية الأمنية كل عشر سنوات، مع الأخذ بعين الاعتبار تساوي مصلحة الكويت ومصلحة أمريكا من وجود هذه القوات، فتلك أمور لها تبعات وخيمة يجب تداركها رغم أن التحرك الدولي لمواجهة «داعش» أعاد أهمية الخليج الاستراتيجية وأهمية الكويت، وإعلان انتهاء مرحلة الاستدارة الاستراتيجية التي قام بها أوباما قبل عامين.