عمل نماذج محاكاة لبعض الأزمات الوهمية يعد هو الآلية المثلى لترسيخ مفهوم إدارة الأزمات لدى كافة مؤسسات الدولة، حيث إن حسن التصرف خلال الأزمات من شأنه أن يدعم خطط الدولة لإدارة الأزمة والحد من نتائجها السلبيةشهد مجال إدارة الأزمات خلال العقدين الأخيرين اهتماماً دولياً ملحوظاً تمثل في إنشاء العديد من المراكز ووحدات إدارة الأزمات على المستويين الحكومي وغير الحكومي، إقليمياً وعالمياً، ومن ذلك المجموعة الدولية للأزمات التي تأسست عام 1995، وهي منظمة غير حكومية وتقع في بروكسل ولها مكاتب في دول عدة وتقدم تقاريرها للحكومات والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، حيث تتضمن تلك التقارير رؤية المجموعة للأزمات والصراعات في العالم مع تقديم توصيات لحلها.أما حلف شمال الأطلسي «الناتو» فقد أنشأ مركزاً لأمن الطاقة بهدف تقييم المخاطر التي قد يواجهها هذا القطاع، وذلك خلال قمة الحلف في شيكاغو «مايو 2012»، بما يعني رغبة الحلف في إعداد تصورات ورؤى استراتيجية حول مستجدات تهديد أمن الطاقة، كما يوجد لدى حلف الناتو نظام للاستجابة للأزمات الطارئة، ومن جانبها، أنشأت جامعة الدول العربية وحدة لإدارة الأزمات والإنذار المبكر في أكتوبر عام 2012، بالإضافة إلى إقرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إنشاء مركز خليجي لإدارة الأزمات والكوارث ومقره دولة الكويت، فضلاً عن إنشاء عدد من دول المجلس مراكز لإدارة الأزمات في المؤسسات الحكومية، كما توجد عدة مراكز غير حكومية في الدول العربية لإدارة الأزمات، بالإضافة إلى وجود برامج لدراسة الأزمات ضمن بعض الجامعات ومراكز البحوث الخليجية والعربية.ويعني ما سبق تنامي الاهتمام الإقليمي والعالمي بتلك القضية، مما يعكس حقيقة مؤداها هي أن الأزمات كافة تتطلب إدارة وتدخلاً حيث إن الانتظار ربما يكون أكثر كلفة مما لو تركت الأزمات بلا حلول، بيد أن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية إدارة الأزمة، حيث تحتاج إلى موارد وأدوار، بل والأهم خطط استراتيجية حتى يمكن الحد من تداعياتها والحيلولة دون تطورها نحو السيناريو الأسوأ وهو «الكارثة»، وذلك في ظل سمات الأزمة الثلاثة وهي المفاجأة ونقص المعلومات وضيق الوقت اللازم لاتخاذ القرار.وانطلاقاً مما سبق وفي ظل التحديات الأمنية الإقليمية التي تواجهها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حالياً، حيث تتشابك الأزمات الإقليمية وتتطور بشكل متلاحق، فإنه من الأهمية بمكان أن تتخذ دول المجلس إجراءات احترازية لمواجهة تداعيات تلك الأزمات انطلاقاً من حقيقة مؤداها أن منطقة الخليج العربي تشهد «تأزيماً مزمناً»، فضلاً عن بزوغ ظاهرة الجماعات العابرة للحدود، والتي تمثل تحدياً لأمن تلك الدول، وفي هذا السياق يمكن أن تتخذ دول المجلس عدة إجراءات يأتي في مقدمتها ترسيخ مفهوم إدارة الأزمة لدى كافة مؤسساتها، وإعادة قراءة الأزمات الإقليمية والدولية مرة أخرى لاستخلاص الدروس المستفادة منها، وأهمها الحرب العراقية - الإيرانية التي استمرت زهاء الثماني سنوات، والغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990، تدخل حلف الناتو في الأزمة الليبية عام 2011 كنموذج لأزمة إقليمية دولية، ثم أزمة الحادي عشر من سبتمبر 2001 أحد أهم الأزمات التي شهدها العالم.من ناحية ثانية؛ هناك أهمية لانتهاج آلية ذات مسارات ثلاثة متوازية خلال الأزمات، أولها: تكوين فريق العمل والعمل المشترك والمساواة بين أعضاء الفريق والنقاش بشكل صريح وإبداء الرأي والرأي الآخر، وثانيها: دور الاتصالات خلال الأزمة؛ حيث إن هناك ضرورة لفتح قنوات اتصال بين أطراف الأزمة، وثالثها: قراءة أدق التفاصيل خلال الأزمة والتي تكون لها أهمية فائقة في تكوين صورة متكاملة عن طبيعة الأزمة ومساراتها المستقبلية المتوقعة.من ناحية ثالثة فإن التخطيط العلمي الصحيح لإدارة الأزمات من شأنه تجنب الأخطاء الاستراتيجية في إدارتها، ومن تلك الأخطاء أمران الأول: بناء كل طرف تصورات خاطئة عن الطرف الآخر، والثاني: الطرد التلقائي للمعلومات. من ناحية رابعة وانطلاقاً من أن إدارة الأزمات تنهض بالأساس على التنبؤ والتوقع كسبيل للوقاية من الأزمات عموماً أو الحد من تفاقمها وتداعياتها السلبية؛ فإن المراكز الفكرية تؤدي دوراً محورياً في تلك العملية من زوايا عديدة سواء بوضع الخطط والاستراتيجيات أو التنسيق فيما بين الجهات التي تقوم بتنفيذ تلك الخطط أو وضع خطط بديلة أثناء عملية التنفيذ، حيث إن الأزمة تتطور تطوراً سريعاً وربما يتطلب الأمر تعديلاً جذرياً لتلك الخطط وبخاصة خلال الأزمات الأمنية التي تهدد الأمن القومي للدولة كظاهرة الإرهاب.أخيراً فإن عمل نماذج محاكاة لبعض الأزمات الوهمية يعد هو الآلية المثلى لترسيخ مفهوم إدارة الأزمات لدى كافة مؤسسات الدولة، حيث إن حسن التصرف خلال الأزمات من شأنه أن يدعم خطط الدولة لإدارة الأزمة والحد من نتائجها السلبية.