كلنا يعلم مدى تأثير المواقع الاجتماعية المعاصرة على مسار الحياة السياسية والاجتماعية واليومية أيضاً لكل من يستخدمها، بل أنها أثرت بصورة مباشرة على الواقع العالمي عموماً، وعلى الواقع العربي خصوصاً، حتى أن الثورة المصرية الأخيرة التي قامت ضد نظام مبارك، كانت تسمى بثورة «فيسبوك»، نظراً لما كان لهذا الموقع من أهمية بالغة في نشر أهداف ومبادىء الثورة بين المصريين.لا يمكن تجاهل هذه الثورات الإلكترونية السياسية على الإطلاق، فهي ما زالت تفعل فعلتها في تقويض ما يسمى بالربيع العربي نحو الأسوأ، وما زالت العنصر الأكثر تأثيراً وإثارة عن بقية العناصر التي تشكل وعي الشعوب العربية، حتى أصبحت المصدر الرئيس في مسيرتها، سواء نحو التغيير أو التخريب.ليس العيب في مدى انتشار هذه المواقع الفاعلة في حياة الناس، لكن الخطر الكبير في هذا الجانب هو أنها أصبحت مواقع مخترقة من طرف العديد من الجهات المشبوهة، وتحديداً المخابرات العالمية، حتى استطاعت العبث بوعي المواطن العربي وتشكيل مساره السياسي والحياتي بصورة صارخة، فبات في كثير من الأحيان مسلوب الإرادة ومسير فيها غير مخير.نحن اليوم نلمس مدى الخراب الذي حل بالعقل العربي غير المحصن في أساسه ضد الهجمات الاستخباراتية العالمية، وكيف استطاعت كل الدول الكبيرة في استغلال تلك المواقع في نشر مشاريعها الشيطانية وأجندتها السياسية، مستفيدة من الثغرات الهائلة التي تتمتع بها القواعد الشعبية لتلك المواقع الإلكترونية، إضافة أنها تعد من الأمور المستحدثة عند العرب، فتمكنوا من اختراقها، وتسيير دفتها حسب المصالح الدولية، بل استطاعوا تشكيل وعي الشعوب بالكامل دون أن يشعر العرب تحديداً بهذا الجهد المخابراتي الخفي، فكان لهم ما أرادوا.بما أننا لا يمكننا التحكم في تلك المواقع، إلا أنه من المهم أن نستخدمها وفق مصالح أوطاننا، وأن نلتفت إلى مدى وجود الأصابع المخابراتية الصهيونية العالمية في هذا الفضاء الإلكتروني الواسع للتشويش على وعينا ومستقبلنا.لقد استطاعت مخابراتهم أن تثير عبر تلك المواقع الكثير من الفتن والنزاعات العرقية والمذهبية الدموية في وطننا العربي، مستفيدة من الواقع القلق أصلاً للدول والشعوب العربية، فغدت الحركات المسلحة والعنيفة واضحة المعالم وحاضرة بقوة، بسبب دول النفوذ القوي الذي يدير محركات الصراع في الشرق الأوسط، بدءاً من إسرائيل وليس انتهاء بواشنطن.على الرغم من الفائدة الكبيرة التي تحتويها تلكم المواقع الإلكترونية في نشر الثقافات والأفكار الحيوية المختلفة، إلا أن العدو استطاع من خلال الأيدي المدسوسة له في تلكم المواقع، أن يخرب النسيج الاجتماعي والسياسي في الوطن العربي، حتى وصلنا إلى مرحلة حساسة وخطيرة جداً بالنسبة لها، حيث لا يمكننا اليوم السيطرة عليها، ولن تتحقق السيطرة الرشيدة على تلابيبها إلا عبر برامج ومشاريع إعلامية نشطة وفاعلة وناجزة من طرف الشعوب والحكومات العربية، كما نتمنى ولو للحظة واحدة أن نكون فاعلين وليس مفعولين بهم، كما هي العادة العربية المتجذرة عبر التاريخ، وأن ندخل سباق هذه المعركة لكن بطريقة محصنة من الاختراقات الخارجية، وهذا لن يكون إلا بالالتفات إلى مساوىء كل تلك البرامج والمواقع الإلكترونية التي أصبحت جزءاً مهماً من الحرب الباردة، ومن ثم استخدامها بصورة لائقة جداً لتحقيق المرجو منها... للحديث بقية