إذا استعاد أحدنا مطالعاته وتذكر ما قرأه حيال العلاقات الخليجية العراقية وصل إلى قناعة أن العراق دولة خليجية جغرافياً فقط، فلم تكن خليجية سياسياً خلال تقلبات العلاقات الدولية في المنطقة، فقد كانت ومنذ أكثر من ستين عاماً في المعسكر الآخر، إن لم يكن المناهض للمعسكر الذي فيه دول الخليج. فقد رفضنا حلف بغداد والاتحاد الهاشمي 1957م، ولم تكن مع دول الخليج في الخندق الشمالي من الجناح الجنوبي الرأسمالي الذي أوقف تمدد الشيوعية إبان الحرب الباردة، خصوصاً بعد توقيع البعث اتفاقية الصداقة والتعاون مع موسكو 1972م. بعدها رفع صدام درجة الاختلاف لمرحلة الخلاف قبل أن يسقط، ثم ربطت بغداد نفسها إبان الفترة المالكية بعلاقة استراتيجية مع طهران -التي كنا في خلافات معها- وكانت العلاقات من القوة بدرجة جعلت نوري المالكي يتباهى بها، مما جعل دول الخليج تحجم عن إرسال بعثات دبلوماسية لبغداد، وإن أرسلت فقد كانت ذات تمثيل ضعيف، وهو في نظرنا كان عجز خليجي عن التصرف بالحكمة المطلوبة. لقد فرقتنا السياسة، ولم تكن الجامعة العربية مكاناً للتقارب؛ فقد تم وصمنا بالدول الرجعية وبغداد مع الأنظمة التقدمية، وأصبحنا في التسعينيات حلفاء الغرب وهم ضمن دول الضد، ثم بغداد مع الأسد ونحن مع الثوار، كما إن المحور الاقتصادي ملف مثخن بالجراح بين وعد بإيصال مياه الشط التي لم تصل مطلقاً، وبين اتهامات بالتلاعب بأسعار النفط قادت لغزو دمر نظام الأمن العربي برمته، وبين وعود بفرصة لإعمار العراق بعد تحريره انتهت بعقود هزيلة لتوريد مياه صحة وتأجير سيارات النقل فقط، أما غيرها من المشاريع الضخمة فتمت المتاجرة بها مع جهات أخرى.فهل يخرج رئيس الوزراء المكلف د.حيدر العبادي بالعلاقات الخليجية - العراقية من النفق الطويل؟ وهل هو من القوة لإنجاز التقارب المنشود؟أن نتصافح مع بغداد مصلحة أكيدة للطرفين تجعلها من أولويات الحكومة العراقية القادمة، فعزلة بغداد عن جوارها العربي جعلها أشبه بجمهورية بشار الأسد، وعلى العبادي أن يراعي محددات عدة لتلافي ما عكر العلاقات الخليجية مع حكومات المالكي طيلة ثمان سنوات ومنها:- الاقتراب من دول الخليج ولو بالحد الأدني في القضايا الإقليمية التي تهم الطرفين، فلو لم يقف المالكي مع الأسد في موقف مغاير لجواره الإقليمي لما دخلت داعش العراق تجرد عليه الحملات حتى سقط بعد أن حملته كافة الطوائف تبعات دخول هولاكو وجيشه، ولا يبدوا في الأفق أن دول الخليج في وارد تغيير سياستها لإسقاط الأسد لفك حلقة من السلسلة الإيرانية التي وضعت أوتادها حول الخليج في اليمن وسوريا ولبنان والعراق.- وقف التغلغل الإيراني ومنع «المندوب السامي الإيراني» الجنرال قاسم سليماني من دخول المنطقة الخضراء كيفما يشاء لتجهيز البريد والصادر والوارد وإعداد جدول أعمال مجلس الوزراء القادم ومتابعة تنفيذ قراراته، بالإضافة إلى وقف مراعاة طهران بالتدخل بتعليقات عراقية فجة خارج الأعراف الدبلوماسية حيال ما يجري في البحرين أو ميناء مبارك أو اتهام الدوحة والرياض بتمويل الإرهاب في العراق.لم يصل الحيدري لمرحلة التكليف بتشكيل الوزارة العراقية مثقلاً بديون حزب أو طائفة، وعليه فهو في حل من التعهد لأحد بالتوزير غير الكفاءة ونظافة الكف، فلم يعد يمثل حزب الدعوة، وعليه الخروج من العباءة «النجفية» ذات اللون الواحد وارتداء عباءة عربية كبيرة «حساوية» أو «وبر شامية» مطرزة بالبريسم وموشحة بالخيوط الفضية ومشغولة بالحرير أو القصب أو الزري، فهو يتكئ على ترحيب دول الجوار، ومنها العواصم الخليجية والقوى الدولية الفاعلة، فإلى متى يبقى العراق خليجياً على الخرائط الجغرافية فقط!
Opinion
العلاقات الخليجية العراقية بعد المالكية
27 أغسطس 2014