حين يريد الناس أن يخلقوا لهم أشخاصاً يمثلونهم في الحياة البرلمانية فما عليهم إلا أن يختاروا الكفاءات من المترشحين، فالكفاءات هي معيار المترشح الناجح، أما صلة القرابة والنسب والقبيلة والصداقة والجوار وحسن الخلق فإنها معايير للعلاقات الإنسانية وليس للعطاءات السياسية، ولهذا فإن كل ما يمكن أن يسحق الكفاءات سيظل منطوياً تحت بوابة العواطف والغرائز والحميَّة الجاهلية.حتى الدين؛ لا يمكن أن يكون التدين وحده جواز عبور لقبة البرلمان، ولا يمكن للالتزام الديني بمفرده أن يكون معياراً لنجاح الإنسان فيما يتعلق بمهمة الرجل السياسي والمشرع، وهذا المشكل يعتبر من أضخم الإشكاليات الشائكة حتى هذه اللحظة في وعي الكثير من أفراد ومجاميع المجتمع البحريني الذين لا يستطيعون التفريق بين مهام المجلس ومقاصد المسجد.ليس بالضرورة أن تكون رجلاً صالحاً في صلاة الجماعة والجمعة أن تكون نافعاً في مجلس النواب، فالقاعدة تقول «يجب أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب»، نعم؛ لو كان رجل الدين أو»المطوع» -كما يطلقون عليه في مجتمعنا الخليجي- كفاءة وطنية شاخصة في أمور السياسة والحياة، أو لها من الإنجازات والشهادات العليا وغيرها من الأمور المتعلقة بالتشريع ما يشفع لها في أن تكون شخصية مؤهلة للجلوس على كرسي البرلمان، فمرحباً بها، لأن المعيار حينها سيكون للكفاءة وليس للتدين فقط.إن المجلس التشريعي المكتمل هو الذي يحتوي على التاجر الوطني، وعلى العالم المدرك بمسالك الأمور السياسية، وعلى المحامي والمشرع القانوني، وعلى السياسي صاحب البصيرة النافذة، وعلى التكنوقراط، وعلى من يملك الأهلية الحقيقية لإدارة المشاريع السياسية والأزمات. هؤلاء من يستطيعون إدارة وقيادة مجلس النواب الحقيقي، أما إمام المسجد أو الجار الخلوق أو ولد «الخالة» وابن «العمة» أو صديقنا المتدين فليسوا بالضرورة أن ينجحوا في مهامهم التشريعية في المجلس، خصوصاً إذا لم يتمتعوا بخصال الكفاءة السياسية والوطنية.حين يسيطر مجموعة من رجال الدين -كونهم رجل دين فقط- على مقاعد مجلس الشعب، فإنك تستيقن حينها أن دافع الدين كعنصر للاختيار كان أكثر تأثيراً من دافع الوطن بالنسبة إلى رجل الشارع نفسه، ولهذا فإن اختيار الناس إمام مسجدهم لمقعد مجلسهم يعتبر خطأ سياسياً وعاطفياً ووطنياً فادحاً، وبما أن تجارة الدين هي الرائجة في عصرنا الراهن وجدنا الكثير من الأسماء والصور، التي لا تشك ولو للحظة أنها لرجل متدين أو خطيب جمعة أو لشخص غزير الدين، يريدون جميعهم أن يترشحوا للمجلس في دورته القادمة، طبعاً مع احترامنا الشديد جداً لكل عالم دين أو خطيب مسجد أو لكل رجل متدين، فهؤلاء كغيرهم لهم الحق في الترشح وغيره، لكننا هنا نتكلم عن المضامين الواقعية والعلمية التي يمكن لها أن تضيف إضافات متميزة للمجلس الوطني بعيداً عن العواطف المجردة.إذا كان عالم الدين أو الخطيب أو المتدين أو غيرهم يعتبرون من أصحاب الكفاءات التي يحتاجها المجلس، فنحن لا نمانع في اختيارهم كنواب فاعلين تحت قبة البرلمان، أما أن يكون اختيارهم كرجال دين فقط فإننا سنكون ضد هذا الاختيار، كما وقفنا من قبل ضد كل اختيار سيء، ولو كان دكتوراً أو مهندساً أو طبيباً، فالمعايير هي المعايير، أما الأشخاص والمراتب والأسماء والمسميات فإنها ليست مهمة على الإطلاق في مجلس من أهم واجباته حفظ وصون مكتسبات الوطن ورسم تشريعات تعني بقيمة الإنسان، هذا ما ندركه وما نتمنى أن يدركه بقية الشارع.