سأضع الحديث عن الانتخابات والشأن السياسي جانباً اليوم؛ إذ ما يحصل في كأس دورة الخليج العربي من جانب منتخبنا الكروي أمر لا يجب السكوت عنه، فلسان حال البحريني المؤازر لكرة بلاده بات يقول وبكل حرقة «إلى متى؟!».الأزمة التي عصفت بالبحرين حتمت علي شخصياً أن أتوقف عن الكتابة في الشأن الرياضي بعد تقليصها لعمود أسبوعي بسبب العودة للكتابة السياسية التي هي أساساً كتاباتي الصحافية قبل 16 عاماً، لكن اليوم من الواجب تسجيل موقف فيما يحصل، إذ لسنوات كنا نأمل خيراً في تحسن وضع رياضتنا، بالأخص كرة القدم فيها، لكن بدلاً من أن نتطور ونتقدم للأمام، ها نحن نتراجع للخلف بشكل رهيب ومخيف.كرة القدم البحرينية شهدت طفرة في وقت معين؛ خلالها كدنا نفوز بكأس الخليج، كدنا نخطف لقب كأس العرب، سببنا هزة عنيفة في كأس آسيا، وتطور المنتخب ليمنحه الفيفا لقب أفضل فريق متطور، وصلنا لأعتاب كأس العالم، وبسبب أخطاء قاتلة وهدر لفرص ثمينة لم نحقق ذلك الإنجاز. لكن المؤشرات حينها كانت تشير إلى مستقبل أفضل وفق رتم تصاعدي، لكن الانهيار كان هو سيد الموقف، وظننا خيراً حينما فزنا ببطولة كأس الخليج للمنتخبات الأولمبية، وقلنا حينها بأن هذا فريق المستقبل، لكن الواقع يقول اليوم بأن الظن لم يكن في محله.أدرك تماماً بأن حظوظنا في كأس الخليج الحالية لم تنته، فغداً أمامنا مباراة مع الشقيقة قطر، وهناك حسابات من خلالها يمكن لنا التأهل، لكن تبقى العملية قائمة على «الحسابات»، وهي لعبة غير مضمونة، خاصة مع الأداء الذي طالعنا به المنتخب أمام اليمن والسعودية.حينما كنا نكتب في الرياضة كان لسان حال المسؤولين يقول للصحافة الوطنية دائماً بأن الانتقاد الآن ليس وقته، وكان ردي الشخصي واضحاً بأن «التوقيت» مسألة جدلية ونسبية، فمتى تريدون أن نتكلم، الآن لعلنا نلحق شيئاً أو نوقف خطأ، أم حين يقع الفأس في الرأس وحينها لا ينفع الكلام ولا حتى الصراخ، ولو وصل لأقصى مكان؟!سواء بقي المدرب أو أقيل، هل المشكلة مرهونة برجل يضع التكتيكات والخطط ويختار هذا اللاعب أو يستبعد ذاك؟! هل المشكلة في اختيارات المدربين التي تمت بعضها في السابق على أسس غريبة وفي ظروف ضبابية إضافة لانعدام الوقت الكافي للإعداد، والذي إن وجد يكون بصورة هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع؟! أم الخلل في المنظومة كلها، من دوري وآليات عمل وتخطيط من قبل الجهات الرياضية المعنية والاتحاد والشخصيات التي كثير منها مازال جالساً على الكراسي طوال سنوات طويلة؟!لسنا مثبطين ولسنا نعمل ضد منتخبنا؛ بل نحن من أحرص الناس على سمعة البحرين في كل محفل، ولارتباطنا بالشأن الرياضي، يهمنا أن تكون كرتنا متطورة متقدمة، لكن نقولها بكل أسف، باتت الرياضة وكأنها «ترف» لا أولوية، بات تطوير الرياضة مجرد شعار بالمقارنة مع المخرجات، وهنا لسنا نظلم أحداً حين نشخص الواقع، بل نضع يدنا على الجرح، إذ كيف يعالج الطبيب مريضاً إن لم يشخص جرحه ويقدم له العلاج المناسب.مشكلتنا في البحرين بالأخص في الشأن الرياضي أننا كثيراً ما نتعالى على الطاقات الوطنية، وهنا أقولها بصراحة: منتخبنا يمر بمرحلة متذبذبة لا ينفع معها مدرب أجنبي يتقاضى الكثير، ولا ينفع معها طاقم إداري لا تدخل بينه دماء جديدة لديها الحماس وتريد أن تبذل المجهود. الوجوه القديمة والمتكررة يجب علينا توجيه الشكر لها على ما قدمته، لكن في المقابل آن أوان التغيير. مدربينا الوطنيين المكدسين في دورينا «الميت» فنياً وإعلامياً وتسويقياً وجماهيرياً يجب أن يتم الاستفادة منهم. لدينا لجنة فنية منذ زمن، تعبنا ونحن نكتب عنها وعن دورها في شأن تقييم المدربين ومحاسبتهم ومتابعتهم.للأسف لا تنصلح الرياضة في بلد طالما كثير من مسؤوليها يأخذونها كتسلية، وبعضهم يأخذها كمناصب، وبعضهم يأخذها كبرستيج و»شو» وتفاخر. حتى لو كان هناك أناس مخلصين مجتهدين، فإن جهدهم يضيع وسط الزحام.كلمات الشيخ عيسى بن راشد وهو من نعتبره «هرماً» رياضياً ليس في البحرين بل في الوطن العربي، كلماته بعد مباراة اليمن التي عجزنا عن الفوز فيها، هي كلمات تدق «ناقوس الخطر»، أكدها الأداء الغريب غير المقبول في مباراة السعودية، وسط استغراب من تفكك جميع الخطوط، وعقم الهجوم، ومعاناة الحارس المستبسل أمام هجوم المنافسين وحتى النيران الصديقة من المدافعين.هل هذا شكل منتخب البحرين الذي نقبله ونرضاه؟! هل هذا المستوى المقبول لكرتنا التي كانت تمتعنا -أقلها- بأداء مميز بغض النظر عن النتيجة، أقلها كنا نقدم كرة جيدة ونحقق نتائج ونصل وننافس، وكانت تصدق مقولة «الحظ» حينها عندما نصل لنهاية المطاف؟!ما يحصل اليوم ليست «كبوة جواد» ليست «عثرة» ننهض منها وننفض الغبار والسلام، ما يحصل اليوم إثبات بأننا لم ننجح خلال السنوات الماضية في بناء قاعدة كروية سليمة، لم ننجح في تأسيس أرضية صلبة من خلالها نأمن على مستقبل كرتنا.الآن بعض المسؤولين الذين لا يقبلون أي نقد ويرون الصحافة نداً وخصما ًوعدواً لهم، سيقولون إن هذا مجرد كلام والواقع أمر آخر. سنقول: طيب، وإن سايرناكم فيما تقولون، أقلها نحن نقولها والناس تقولها بلا تردد ودون أن تخفي رؤوسها في التراب. لكن بيت القصيد هنا أن من يحتاج أن يعترف بالأخطاء والقصور ويقولونها بشجاعة هم الممسكون بزمام الأمور والقرار، وهم من يتحملون المسؤولية، لا اللاعبون ولا المشجعون ولا أحد آخر.حينما تخطط بشكل صحيح، حينما تتعلم من أخطائك، حينما يكون الاعتراف بالفشل موجوداً، حينما لا تكابر على الزلات، وحينما تجدد وفق ثورة تصحيح جادة لا مجاملة فيها ولا مهادنة أو محاباة، حينها فقط يمكنك أن تعول على مخرجات صحيحة، حينها فقط يمكنك أن تذوق طعم النجاح لأنه مبني على أسس.والله من وراء القصد.