تجولت كاميرات العالم في قطاع غزة، وذلك مباشرة بعد الهدنة الإنسانية فيها، وحينها انكشف حجم الدمار والخراب الذي تعرض إليه القطاع والأضرار الجسيمة التي لحقــت به.منازل وعمارات سويت بالأرض وجثث لا حصر لها تحت الأنقاض، أما صور الدم ورائحته فقد انتشرت في كل الأرجاء. مناظر تقشعر لها الأبدان، هي هكذا دائماً وأبداً غزة الوحيدة الجريحة المحاصرة المدمرة.بكل تأكيد، فإن غزة دمرت منازلها وبنيانها وقتل ناسها، لكن بالرغم من كل هذا البطش الصهيوني الذي يقابله صمت عربي موروث، فإن كل القنابل وكل الغارات وكل آلة القسوة العسكرية لم تنل من عزيمة شعب كريم. شعب أكبر من كل ضعف وأعظم مــن كــل هزيمة وأشرف من كل استسلام، فالطائرات نالت ما نالت من أجساد أطفال غزة ونسائهــا وشيوخها ورجالها، لكنها لن تنل من عزتهم وصمودهم وكبريائهــم، لأنهم أدركــوا أن الانتصار الحقيقي لن يكون عبر استجداء العرب أو مجلس الأمن، وإنما عبر المقاومة المشروعة بالدفاع عن أراضيهم وأهليهم وكرامتهم وعزتهم.في فترة الهدنة الإنسانية، أخذ أهل غزة يتجولون في شوارعها وكأن لا شيء كان، فرجالها ذهبوا لشراء المؤنة الضرورية للبقاء قبل أن تستأنف طائرات العدو الصهيوني قصفها لهم في أية لحظة، أما الأطفال الصغار، فإنهم بدأوا يفتشون تحت الأنقاض عن أقرانهم الذين سقطوا كالأزهار الجميلة بينها، وآخرون منهم أخذوا يفتشون عن بعض الألعاب، يتسلون بها في وسط الشوارع الحزينة المقفرة.وأنا أكتــب هذه السطــور، جاءنا خبر عاجـل، وهو ليس عاجل بقدر ما هو مؤلم وفتاك لقلب كل إنسان يم لك وخز ضمير، فطائرات العدو أغارت على أحد الشواطىء ففتكت بأربعة أطفال من القطاع، حتــى انتهشــت قنابلها من أجسادهم الطرية تحت مرأى ومسمع من الصحافيين العالميين الذين كانوا متواجدين في الفندق الذي يطل على الشاطىء، فنزلوا ووثقوا تلك الجريمة التي ارتكبت في وقت الهدنة.غزة البطلة، لم تتغير جراحها قبل الهدنة ولا بعدها، فهذا الشعب العظيم الذي لا يساوم على وعيه وكرامته وأرضه، لا يمكن أن يهزم، مهما أعدوا له من أشباه الرجال والعتاد والخذلان والمساومات والمؤتمرات والاستنكارات والرقصات والبيانات، ولن تفل عزيمته المتفردة التي فاقت قوتها كل الصواريخ والدبابات والطائرات والراجمات الصهيونية، فأهل غزة أكبر منا ومن كلماتنا ومواقفنا وشعرنا وشجبنا، وهم أسمى من كل الخرافات العربية والمؤامرات الأجنبية والدولية، لأنهم لم يركعوا حقيقة إلا لله، ولأنهم أدركوا أن الطريق إلى العلياء، لن يكون إلا عبر مقاومة العدو الصهيوني المحتل، وطرده من كل فلسطين، فحين نمتلك شعباً بقامة شعب غزة، يكون لنا كل الحق أن نفتخر، وإذا مر يوماً من هنا تاريخ للعظماء والأبطال والشهداء، سنطالبه أن يسجل في دفاتره غير المزيفة، أن في غزة (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَــالٌ صَدَقُــوا مَا عَاهَــدُوا اللَّـهَ عَلَيْـهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضــَى? نَحْبَــهُ وَمِنْهُـمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).
Opinion
الاستثناء العربي
19 يوليو 2014