أمس نشـرت الصحف وتناقلت وسائل التواصــل الاجتماعي والمواقع خبراً معنياً بإعلان البيت الأبيض الأمريكي عن ترشيح وليام روباك ليتولى منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في البحرين، وذلك ليخلف السفير الحالي -الذي ثار حوله الكثير من الجدل حتى قبل وصوله- توماس كرايجيسكي.وبمناسبة الحديث عن كرايجسيكي، كان نشر تاريخه وسيرته الذاتية والمهام التي قام بها سابقاً في الدول العربية سبباً في ردة فعل استباقية من قبل الشارع البحريني. كان هناك رفض لكرايجيسكي بالأخص من جانب المواطنين الذين رفضوا استهداف الدولة ومحاولة إسقاط نظامها والتطاول على غالبية مكوناتها في فبراير 2011، باعتبار أن «عرابي الانقـــلاب» و«ممارســي التحريض» و«مبيحـــي العنف»، كانت لهم ارتباطاتهم الممتدة مع أطراف خارجية بعضها من خلال ممثليهم بالداخل والذين يمتلكون صفة رسمية، وأبرزهم هنا سفارة الولايات المتحدة الأمريكية «الصديقة» مثلما كشفت وثائق «الويكيليكس».كرايجيسكي لم يخيب الظنون فيه، فلم يكن ممثلاً حقيقياً للدولة الصديقة الحليفة للبحرين، بل كان امتداداً لعمليات مطبخ «كوندوليزا رايس» المعنية بـ«الشرق الأوسط الجديـد»، مواصـلاً تدعيم وتقوية مواقف الجمعيات المعارضة التي كشفت في فبراير قبل ثلاث سنوات عن نواياها الحقيقية تجاه الدولة البحرينية، وأن مساعيها النهائية تصل لسقف إسقاط النظام وترحيل رموز البلد و«الانتقام» من شعب البحرين الذي لا يتفق مع أهدافها المرسومة في طهران أساساً.كرايجيسكي تفوق على سابقيه أصلاً، فهو عمل وبوجه مكشوف وواضح، يذهب صباحاً للاجتماعات الرسمية مع مسؤولي الدولة، وفي الليل يسهر مع عناصر التحريض والتأزيم، والذين يعول عليهم أن يكونوا «الأدوات الطيعة» في الأيادي الأمريكية، يذهب لتلفزيون البحرين ليشارك في برنامج طبخ، ويذهب إلى مقر الوفاق لـ«يتغبق» في رمضان!التقرير الإداري «السري» الذي صدر عن الخارجية الأمريكية والمعني بتقييم أداء عمل كرايجيسكي (كتبنا عنه هنا قبل عدة شهور) تضمن رصداً لكثير من القصور في أدائه، أبرزها المعني بتعزيز علاقات التعاون الاقتصادية مع البحرين. وكان التقرير في خلاصته واضحاً بأن الوقت قارب على رحيل السفير الأمريكي.الآن تستقبل البحرين بديلاً لا يكاد يختلف رصيده التاريخي عن كرايجسيكي، بل حسبما نستوعبه من سيرته الذاتية هو متفوق على سلفه، فوليام روباك خبير في شئون الشرق الأوسط والأدنى، ومعاصر لأهم قضايا العرب، ومتقن للغتهم. وبغض النظر عن توليه عديداً من المسؤوليات في بلاده أو بلاد العرب بالأخص سوريا والعراق وفلسطين «المحتلة»، فإن عمله كضابط سياسي في القنصلية الأمريكية بالقدس من 1995 إلى 1997 وبنفس التوصيف في سفارة واشنطن في تل أبيب من 2000 إلى 2003 يبين بأن «الصديق الجديد» ليس من النوع الذي ستستهويه عمليـات تعزيز العلاقات الاقتصادية أو تعميق الأواصر الدبلوماسية.وكما حصل مع كرايجيسكي حينما برزت أصوات لتقول بألا تظلموا الرجل قبل وصوله وعمله، وأثبتت الأيام بأن ما كانت تحذر منه «الصحافة الوطنية» وقوى المجتمع هو الصحيح باعتبار أن الجهات المعنية كانت ترى تجاوزاته وخروقاته لاتفاقية فيينا وغيرها من الأعراف والمواثيــق الدبلوماسية وفي المقابل لم تكن تتحرك بصـورة حاسمة، كما حصل مع السفير الراحل، نتوجس أن يحصل ذلك مجدداً مع السفير الجديد.وهنا بالفعل لا نريد استباق الأحداث والحكــم المسبق على الرجل قبل وصوله، إذ ربما بالفعل يعمل على تصليح ما أفسده كرايجيسكـي، ولربما يكون إنساناً عادلاً منصفاً يرفض الإرهاب والعنصرية وهــي الشعارات التي ترفعها دولتـه، لكن في المقابل يحق لنا القول بأن الكتاب يقرأ عادة من عنوانه!وهنا لابد وأن نذكر معلومة، سقطت سهواً أو عن قصد من السيرة الذاتية لروباك، فالأخير تجدون له إعلانات في مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات الإخبارية بشأن محاضرة قررت له في ليبيا عام 2011 يتحدث فيها عن «أهداف زيارته لليبيا بالإضافة إلى موجة الثورات في العالم العربي» والتي أسميت بـ»الربيع العربي».الإعلان عادي جداً، لكن المثير كان تعريف المنظمين له وسرد سيرته الذاتية، حينما ذكروا نصاً (وهذا مالم ينشر في سيرته) بأن روباك ومن خلال موقعه في الصفوف الأمامية في عام 2010 في وزارة الخارجية الأمريكية، كان مكتبه معنياً برسم وتشكيل سياسة تعاطي الحكومة الأمريكية مع تطورات ثورات وأحداث الربيع العربي، أي كان مساهماً في تحديد ردود الفعل المطلوبة وتوجيه المعنيين في سفارات ومكاتب وقنصليات الولايات المتحدة في الدول العربية لاتخاذها بشأن تطورات الأحداث هناك.هذه المعلومة كفيلة فقط بأن تعنون لنا رحيل السفير كرايجيسكي بعنوان رئيس «مقلق» هو: «رحل المنفذ وجاء المخطط»!
Opinion
صديقنا الجديد.. ضابط سياسي من تل أبيب!!
19 يوليو 2014