كنا نعتقد أن الانتقال إلى دستور 2002 ينهي حقبة القطبية الثنائية «معارضة، أسرة» وينهي طريقة إدارة الصراعات السياسية ويحول البحرين إلى مملكة دستورية، للمواطنين فيها حق تشكيل الأحزاب السياسية، وحق تشكيل مؤسساتهم المدنية، ولهم فيها حق التعبير والترشح والانتخاب لاختيار ممثليهم في المجالس التشريعية والبلدية، حقبة يتحول فيها أمر إدارة الدولة إلى شراكة عقدية بين المواطنين وبين ملك يخضع للقيود الدستورية التي، وإن اتسعت سلطاتها في بعض المفاصل، إلا أن حدود ذلك التمدد والاتساع يعد حدوداً مفهومة ومقبولة كمرحلة زمنية تنتقل فيها الدولة من القبيلة إلى الإمارة ومن ثم إلى الملكية الدستورية وتتدرج بمراحل تطورها المدني تدرجاً يحمي الاستقرار وينضج جميع الأطراف المعنية أولاً ومن ثم ينتقل الجميع إلى الملكية الدستورية الكاملة، كصورة من الصور الانتقالية، المهم في الأمر أننا صوتنا على ميثاق ودستور يحدد آلية التغيير والتطوير ومرجعية لإدارة الخلافات التي من الطبيعي أن تكون موجودة في أي مجتمع.لكن إدارة أزمة 2011 أعادتنا خطوات إلى الوراء، وبينت أن قناعة الدولة بالدستور قناعة غير صلبة بما فيه الكفاية، فكانت إدارة الأزمة خطوات تراجعية على ما أنجزناه بتصويتنا على الميثاق ونزولنا إلى الانتخابات لثلاثة فصول تشريعية، «إدارة الأزمة» هي من أعادنا إلى الوراء، لا الأزمة بحد ذاتها، ولا الأمريكان، ولا حتى جماعة الولي الفقيه، فهي إدارة قبلت بتجاوز الدستور والميثاق منذ اللحظة التي فاوضت بها من خرج عن المؤسسات الدستورية، ولو أن الدولة وضعت الجميع تحت مظلة ما حدده الدستور منذ اللحظة الأولى التي أعادت فيها الأمور الأمنية لوضعها الطبيعي، لوضعت الأطراف كلها «الوفاق والأمريكان وإيران» تحت حكم الدستور والقانون البحريني كمرجعية تحكم طريقة تعاملنا مع من لهم مطالب ومن يدعون أنهم حلفاؤنا، وما كنا سنسمح لأي طرف أن يتجاوز تلك الآلية ويعطلها، حينها سيقبل الجميع البحريني أو غير البحريني بما يقتضيه القانون والدستور البحريني.لكن يؤسفنا القول بأن إدارة الأزمة منذ فبراير 2011 وحتى اللحظة، أي حتى لحظة أمس التي صرح فيها علي سلمان بأنه مازالت هناك عروض شفهية سرية تقدم لهم من أجل القبول بإنهاء الأزمة والقبول بالدخول في الانتخابات، هي -اسمحوا لي- إدارة خاطئة وكان لها الدور الأساسي الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن وامتدادها إلى هذا الوقت، تلك العروض هي عروض تفاوضية فلا نضحك على بعض بتغيير التسميات.ثلاث سنوات والدولة «تفاوض» من خرج على القانون، وقبولها التفاوض معهم هو قبول بالخروج عن إطار الدستور والقانون، هو عودة لزمن القطبية الثنائية، «الهيئة والحكم» «الشيعة والحكم» وغداً غيرهم والحكم وهكذا لن ننتقل إلى مرحلة الاستقرار، ما بقي الحكم قابلاً أن يتفاوض خارج الأطر الدستورية فلن ينتهي المفاوضون!ثلاث سنوات والدولة تستثني من خرج على القانون وتمنع تطبيق القانون عليه، ثلاث سنوات والدولة تعطل الدستور والقانون الذي صوت عليه شعب البحرين والذي يوحدنا تحت مظلته، مخالفة بذلك عقداً يجمعنا وإياها، وهذه هي النتيجة، مفاوضات ومساومات وتدخل أجنبي لم ولن يتوقف هذا متوقع، فلا مظلة ولا سقف ولا مرجعية نحتكم لها الآن وتلزم جميع الأطراف، إنما فتحت الدولة الباب على مصراعيه لكل طرف أن يضع سقفه الخاص وأدواته الخاصة وعدنا إلى ما قبل الميثاق وما قبل الدستور.لقد وقف شعب البحرين مسانداً للدولة، للدستور، للميثاق، وأصر على مرجعيتهما في إدارة الصراعات المحلية لأنها السبيل الوحيد للاستقرار، وذلك يعني أنه لا مفاوضات ولا مساومات ولا استثناء من تطبيق القانون لأي فرد ولأي جماعة، والدولة صرحت بالتزامها بهذا العقد، إنما أبقت على باب التفاوض وباب التدخل موارباً مفتوحاً منذ فبراير 2011 إلى الآن، عل العروض التي تقدمها شفاهة وسراً تقنع من رفض العقد ورفض الدستور وتنصل من الميثاق، هذا الباب الموارب هو سبب بلائنا وهو سبب الإرهاب وهو الذي سمح بالتدخل الأمريكي حتى اللحظة.البحرين تحتاج إلى انتفاضة على طريقة هذه الإدارة والتوقف فوراً عن الاستمرار بها، الدولة بحاجة أن تعلن غلق هذا الباب إلى الأبد، وتعيد الأمور لنصابها الدستوري والقانوني من جديد، من له مطالب فالدستور يعطيه الحق ويحدد آلية عرضها، جفت الأقلام وطويت الصحف، ويطبق القانون بعدها على كل من تسول له نفسه بتجاوز هذا القانون، على البحريني أو الأمريكي، من يطأ هذه الأرض عليه احترام دستورها وقانونها.نحن بحاجة إلى انتفاضة يبتعد فيها الحكم مسافة واحدة من الجميع، ويترك الأمور تدار بآلية الدستور وسيادة القانون على الشيخ وعلى رجل الدين وعلى الشيعة وعلى السنة، فلا جمعية على رأسها ريشة ولا علماء فوق القانون، ولا شيخ من الأسرة الخليفية محصن أو محمي من تطبيق القانون، هذا ما صوتنا عليه وهذا ما اخترناه عقداً يحفظ حقوقنا ويحدد التزامنا، فهل نعيد له اعتباره؟ أم نتراجع جميعنا عنه؟