لن يستخدم العرب الطرق الصحيحة لوقف العدوان الصهيوني على غزة إلا بعد أن يستنفذوا جميع الطرق الخاطئة، ولعل أهمها الاعتقاد بجدوى الجهود الدبلوماسية والمبادرات السلمية مع كيان يعتاش على مفهوم الحرب بشموليته كمنظومة فكرية ومؤسساتية، فما بديل المبادرات السلمية؟نشأت إسبرطة قبل الميلاد بعشرة قرون، وكانت هيمنة النزعة العسكرية على تلك (الدولة - المدينة) سبب توسع نفوذها، فخاضت حروباً عدة كانت اطولها مع أثينا.حكمها العسكر وتم تعظيم العمل العسكري وأصبح الجنود صفوة المجتمع، لم يكن لإسبرطة أسوار دفاعية، فقد قام ملكهم «ليكرجوس» بهدم الأسوار قائلاً: «المدينة يحميها أبناؤها وسيصبح الرجال جدران إسبرطة». نص دستورهم على ألا يولد الأطفال سرا، فإن لم يكن الوليد معافى رموه من حافة جبل، كانت غاية نظام إسبرطة تخريج المقاتلين، فتدرب الفتيان والفتيات على الحرب ليكونوا جنوداً أقوياء وأمهات الأبطال. وقدعاش الفتية والفتيات حفاة عراة للتغلب على الشهوة، مع تناقض صارخ لهذا الإجراء تمثل في التشجيع على الشذوذ بين الفتيان.كان الانضباط صارماً؛ فيصبحون رجال حرب في سن الـ 24 عاماً، كما جردت إسبرطة شبابها من الأخلاق، فتعلموا وهم صغارالتسلل خفية للسرقة، جراء تقليل الغذاء لتحفيزهم على التحايل للحصول على طعامهم بالصيد أو بالسرقة، وكانوا يعاقبون بوحشية إذا ألقي عليهم القبض، وقد أدى ذلك لتأقلم الأولاد على الجوع وتحمل التعذيب.كما قاد تبني إسبرطة لنظام عسكري لا أخلاقي قاسٍ إلى تبني نزعة عنصرية، ففكرة النقاء الوطني والعرقي لمحافظة الجيش الإسبرطي كان نواة كل شيء، حيث كان الفتية المحاربون يكلفون بالتجسس على المزارعين وتتبعهم وقتلهم عقاباً على كل مخالفة مهما كانت تافهة، حيث لم يكن يُنظر لذلك كجريمة؛ فالعنف والقتل الانتقائي كنوع من الردع كان وسيلة لإخضاع السكان. ولم تستطع جمهورية أثينا هزيمة إسبرطة بالدبلوماسية، أو بالقيم الديمقراطية أو الثقافة أوحقوق الإنسان؛ بل أن أثينا ورغم أنها كانت دولة بحرية، في حين أن إسبرطة كانت دولة برية، وبلا أسطول قوي، إلا أن أسطول إسبرطة دمر أسطول أثينا، واكتفت إسبرطة بإجبار أثينا على التنازل عن أسطولها، نظير أن تصبح تابعة لها، وبفضل قوتها ونظمها العسكرية استمرت إسبرطة مائتي عام.ولهذا يعيش الكيان الصهيوني بحالة تعبوية وتدابير احترازية بالمفهوم الإسبرطي بشكل دائم، فالكيان الصهيوني هو إسبرطة العصر، وفي العمليات الصهيونية «الرصاص المصبوب» و«عمود السحاب» على غزة لم تتعدَ المواقف العربية التنديد، أو الدعوة لاجتماعات الجامعة العربية بعد مضي الهَزِيعُ الأَوَّل من اللَّيل الصهيوني، يتبعها حملة إغاثة وكأن غزة قد تعرضت لأمطار الخير والبركة مخلفة بعض الأضرار بالطرق.أما في عملية « الجرف الصامد» الحالية فقد كانت هناك حسابات عربية أخرى ومواقف نصاب بالقرف من تحليل دوافعها مقارنة بنتائجها.وما يطالب به كل مهتم أصيل بغزة هو التمعن في نتائج الضربات التي يتعرض لها الكيان الصهيوني، وليس ما تتعرض له غزة فحسب، حيث تقول المؤشرات بنجاح غزة في ما يسميـه العسكـــــر بحــــرب الجيــــل الرابـــع «Fourth-Generation Warfare» أو«4GW» والتي يكون طرفا الحرب فيها جيش نظامي لدولة ما مقابل «لا دولة» أوعدو، بل خلايا متحركة تنشط لضرب مصالح العدو الحيوية وإضعافها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.لقد كشفت غزة بـالحرب اللا متماثلة «Asymmetric Warfare» كما تسمى أيضاً، كشفت عيوباً يغطيها الصهاينة بالأسلوب الإسبرطي، ومن مؤشرات الانكشاف سرعة استجابة الصهاينة للمبادرة المصرية والنقد القاسي لنظام القبة الحديدية حد السخرية، وتهشيم صواريخ غزة ليس لاقتصاد الصهاينة فحسب؛ بل ولهيكل وزارة الدفاع بإقالة نائب الوزير «داني دانون» لوصفه العمل العسكري الحالي بالقصور.ونقيضاً لكل التصريحات العربية المعتادة بإعطاء فرصة للعمل الدبلوماسي، نقول هذه المرة -بناء على أحد أهم مبادئ الحرب وهو استثمار الفوز- نقول أعطوا فرصة للحل العسكري، فإسبرطة العصر الحديث لا تنصاع إلا للقوة.
Opinion
غزة.. أعطوا الحل العسكري فرصة
23 يوليو 2014