حدثني بالأمس أحد الإخوة الكرام الذي ينتمي لإحدى الجمعيات السياسية حين التقيته صدفة، فقال: ماذا فعلت بهم يا هشام؟قلت له: تقصد من؟قال: أولاً إذا كنت ستنشر ما أقوله لك، فلا تذكر اسمي لأحد.. فقلت له (تم) لكن أحسبك أنت لا تخاف من ذلك، فماذا جرى لك الآن؟ابتسم وقال: خلنا في المهم، فما تنشره عن الوفاق ووعد وبقية الجمعيات أصابهم بحالة من الارتباك الشديد، سمعت أحدهم يقول من الذي نقل إلى كتاب (....) ما يجري عندنا؟كيف عرف الكتاب (.....) ما يدور حتى وإن كانت معلوماته ناقصة، إلا أن هناك بالتأكيد من نقل له ما يدور بيننا..!قلت للأخ: هل هذه المشكلة فقط؛ من الذي نقل لي المعلومات؟ أم المشكلة في وضعهم الداخلي المتأزم والمتناقض بين المشاركة وبين نار المقاطعة التي ستجعلهم ظاهرة كلامية وظاهرة بيانات، أو تظاهرات صغيرة في شوارع لا يراها أحد ولا يشعر بها أحد؟قال لي: أغلب ما ذكرته صحيح، لكني أعتب عليك..قلت له: تفضل.قال: أعتب عليك استخدامك عبارات جارحة للجمعيات، حين تقول (بقية الأقزام) والجمعيات التابعة لعلي سلمان، أو الجمعيات الصغيرة التي لا شارع لها.قلت للأخ: عتبك مقبول شكلاً، ومرفوض مضموناً، فهل ما قلته أنا فيه شيء من الخطأ؟قال: إذا كنت لا تحبنا على الأقل استخدم عبارات مخففة قليلاً، فأنا لا أرضى بهذه التسميات وأقولها لك بصراحة، إنك ككاتب صحافي تتجنى فيها على هذه الجمعيات بشكل فج.قلت له: إن لم يكونوا كذلك فعليهم أن يثبتوا أنهم جمعيات لها كيان ولها إرادة ولها توجه سياسي واضح كما هو معلن في ميثاق تأسيس الجمعية، وأن لهم خطاً فكرياً وسياسياً مستقلاً، لا أن تصبح جمعيات تصطف طائفياً خلف علي سلمان..!لا أريد أن أطيل على القارئ أكثر، غير أن هذا الحوار يكشف أموراً كثيرة، وهي أن حالة الانشقاقات والخلافات تصف بمن (تحسبونهم جميعاً وقلوبهم شتى..!).بعض المعلومات تقول إن الجمعية الانقلابية أعدت خيارات كثيرة؛ أحدها أنهم يريدون المشاركة بـ«الفريق الأولمبي» إذا ما أعلنوا عن المقاطعة، بحيث يكون هذا الفريق (وهمياً وغير معلن) لكنه يحقق أهدافهم داخل المجلس ويحصل على المكاسب، ويقوم بمحاسبة وتخويف الوزراء حتى يحصلوا على المكاسب على الأرض، والمقصود هنا مكاسب للطائفة.حتى هذا الخيار عليه خلافات بينهم (هذا ما يتسرب اليوم) فهناك جناح متشدد يريد المقاطعة بشكل نهائي، وهذا الجناح يقول إذا ما شاركتم بـ«الفريق الأولمبي» سيتم اكتشافه من خلال الوجوه التي ستعلن ترشحها أو من خلال مواقفهم داخل المجلس، وبالتالي سيعرف الناس من معنا ومن ضدنا أننا لم نقاطع، وأننا كذبنا في موقفنا حين قلنا إننا قاطعنا..!وقد يكون هذا الأمر مسوغاً للسلطة حين تذهب خارجياً لتقول إن الجمعيات شاركت بوجوه «الظل» وأنها لم تقاطع الانتخابات، كما إن المشاركة بـ«الفريق الأولمبي» ستجعل الناس تذهب للتصويت، وهذا ضد مواقف جمعياتنا.. هكذا قال المتشددون!سبحان الله (ترى والله حالتهم حالة) من يكابرون ويوهمون الناس بالعنتريات هم أكثر الناس الذين تدب بينهم الخلافات والانشقاقات، وهم اليوم يريدون المشاركة لكنهم يخافون.الجناح غير المتشدد يطرح رأياً آخر أيضاً؛ فقد طرح هؤلاء.. إذا كنا سنشارك بالفريق البديل وسيفتضح أمرنا، فمن الأفضل أن نشارك بالفريق الأول، فنحن سنشارك سنشارك، فلماذا نذهب بفريق ضعيف؟قلتها من قبل إن رب العباد سبحانه قد أعمى بصيرتهم حين قدموا استقالاتهم من المجلس، فلو لم يقدموا على ذلك لامتلكوا أدوات كثيرة يزعجون بها الدولة ويلون ذراعها كونهم أعضاء بالسلطة التشريعية، لكن الله أعمى بصيرتهم بالاستقالات.ندعو الله أن يعمي بصيرتهم كل يوم، هو القادر سبحانه، فكل انتخابات تأتي تشق جباههم، ناهيك عن الشارع المناوئ للوفاق داخل القرى، فهناك شارع لا يريد أعضاء الوفاق ويصفهم بالمتمصلحين، الذين يركبون على ظهور الناس من أجل مصالحهم، وهذا الشارع ليس بالشارع الصغير، فكلما أخفقت الوفاق في الحصول على مكاسب، وكلما صمدت الدولة في عدم تقديم تنازلات، زاد هذا الشارع قوة ضد الوفاق.أحترم الأخ الذي دار بيني وبينه الحوار وأقدر أخلاقه الطيبة؛ لكن ليسمح لي بأن أقول إن الجمعيات (الليبرالية) التابعة لعمامة علي سلمان تحرق نفسها أكثر من قبل، «والله عيب هذا الذي يجري»، اجعلوا لكم إرادة وشخصية وموقفاً، قد يختلف معكم أي تيار أو أي فكر آخر بالمجتمع، لكن حين يرون أن لكم موقفاً ومبادئ ثابتة فإن من يختلف معكم يحترمكم ويحترم مواقفكم، لكن إذا كنتم تتبعون «غبار بشت علي سلمان» فمن أين يأتي لكم الناس بالاحترام، انتم مجرد «تبع».. «مثل الحشو اللي في بطن ذبيحة الغوزي» فقط تملؤون الفراغ، حتى الحشو يختلف عنكم، على الأقل له طعم ورائحة وفيه دجاج وبيض ومكسرات..!من هنا تتضح صورة ربما لا يشاهدها البعض، فالناس تظن أن من يجلسون على طاولة واحدة مجتمعون على موقف، وهذا غير صحيح، حتى وإن خرج لكم علي سلمان أو أحد أعضاء الجمعيات «الأقزام» بعد هذا المقال يريد أن يقول إننا على موقف ثابت وإننا.. وإننا.. هذا كلام للاستهلاك الإعلامي، حتى يوهم الدولة والناس أن لهم موقفاً واحداً ولا توجد انشقاقات، غير أن كل هذا دجل وكذب.كل ما سبق يبين أن هذه الانتخابات لها حسنات وسيئات؛ فقد ظهر للسطح ما كان خفياً، كما إن الذين لديهم نظرة عميقة ومستقبلية ولديهم استراتيجيات واضحة داخل تلك الجمعيات، أغلب هؤلاء يقفون مع المشاركة خاصة مع التعديلات التي أقرها حوار التوافق الوطني. أما من يملكون نظرة لا تتجاوز أقدام أرجلهم فهم مع تعنت المقاطعة، وهذه المقاطعة ستقضي على ما تبقى، وستزيد الهزائم هزيمة كبيرة أخرى، وستجعلهم خارج إطار الزمن، وخارج مبادئ «خذ وطالب».** رذاذإذا كان ما سبق موجهاً إلى تلك الجمعيات ومريديها، فإن الحديث الذي نوجهه للدولة أنه كلما ثبتت على مواقفها القوية، داخلياً وخارجياً، فإن هذا الأمر يجعل «فخار» الجمعيات يكسر بعضه، ويجعل الخلافات تدب بينهم أكثر.بينما إن أقدمت الدولة على ممارسة أسلوبها القديم، وتقديم هدايا لأيادي الإرهاب والجمعيات الانقلابية، فإن هذه الجمعيات ستقول إن ما حصلت عليه من مكاسب جاء بسبب خوف الدولة، وبسبب أننا كجمعيات وقفنا موقفاً ثابتاً، وهذا الذي جعل الدولة تتنازل لنا.الثبات على المواقف الوطنية يجعل الفخار يكسر بعضه البعض..!