أن تعلق في الشارع بسبب قطعه من قبل مشاغبين بإشعال النار في إطارات السيارات لمدة تصل في بعض الأحيان إلى نصف ساعة تقضيها وسط مئات السيارات التي يحاول سائقوها الإفلات من المأزق الذي صاروا فيه فيزيدون الازدحام ازدحاماً؛ فإنه دونما شك أمر سيء بل سيء جدا، لكن الأكثر سوءاً وألماً منه هو اعتقاد من اعتبروا أنفسهم في ثورة وأطلقوا على المشاغبين لقب «أبطال الميادين» ولا يترددون عن التصريح بأنهم يقبلون أيديهم بعد كل عملية يقومون بها أنهم بهذا الأسلوب سيحققون انتصاراً وأنهم يقومون بعمل وطني، فلا وطنية في عمل يؤذي الناس ولا ثورية في عمل يعطل حياتهم ويجعلهم «معتقلين» في الشارع كل هذا الوقت، خصوصاً أنه يمكن أن يكون بينهم من هو في حاجة لكل دقيقة من وقته. الذين يعتقدون أن هذا الذي يمارسونه ويظلمون به الناس ويؤذونهم عمل ثوري ووطني ويقربهم من تحقيق أحلامهم إنما يعبرون عن مشكلة عقلية يعانون منها، فأي انتصار هذا الذي يمكن أن يتحقق على ظهور الناس وإزعاجهم وأذاهم وتعطيل حياتهم؟ وأي قيمة للأهداف أياً كانت إن كان طريق الوصول إليها بهذا الأسلوب المتخلف والمعبر عن قلة حيلة وضيق أفق؟من الأمور المؤلمة أيضاً أنك إن قلت للجمعيات السياسية الداخلة في «الحراك الثوري» إن هذا لا يجوز وإنه في النهاية لا يضر الحكومة التي تحاربونها بقدر ما يضر المواطنين والمقيمين فإنهم يسارعون للقول إن الذي يقوم به هم «الجهال»، يقصدون ائتلاف 14 فبراير، فإن سألتهم لماذا لا يكون لكم منهم موقفاً، يقولون لك إنهم ضد هذا الذي يقومون به ولا يقبلونه! لكنهم أبداً لا يتخذون منهم موقفاً وهم في الغالب يساندونهم «من تحت لتحت»، هذا إن لم يكونوا بالفعل يشاركونهم هذا الفعل القبيح.اليوم وصل الجميع إلى قناعة بأن هذه الأفعال التي يقوم بها أولئك «الجهال»، حسب تعبير الجمعيات السياسية، يقومون بها -لو كانوا وحدهم- وهم يعرفون جيداً أنهم مسنودون ومؤيدون من الجمعيات السياسية «المعارضة» ومن آخرين، لكن بما أنهم يقومون بهذا، وهم ملثمون، لذا فإن تبرؤ الجمعيات السياسية من فعلهم يحتاج إلى أدلة قاطعة يثبتون بها أنهم بالفعل لا يشاركونهم تلك الجهالة، وهو ما يضع هذه الجمعيات في موقع المتهم. الجمعيات السياسية لم تصدر قط بياناً واضحاً يدين هذه الممارسات، وعلماء الدين ذوو العلاقة بالحراك لم يصدر عنهم ما يمكن اعتباره موقفاً وحثاً على عدم ممارسة هذا الفعل. هذه مسألة ينبغي حسمها، إن كانت الجمعيات السياسية (الوفاق ومن صار محسوباً عليها) ضد هذه الممارسات القميئة فإن عليها أن تعلن موقفاً واضحاً وتتخذ من الإجراءات، ما يؤكد أنها لا توافق على ما يقوم به من تصفهم بأنهم «جهال»، وإن كان علماء الدين يشاركون الجمعيات السياسية هذه النظرة وهذه القناعة فإن عليهم أن يعلنوا موقفهم بصراحة ويعملوا على منعها، خصوصاً أن بيدهم أن يمنعوها. لكن غياب الموقف المطلوب والسكوت عن هذا الذي يحدث ويمكن أن يتسبب في أذاهم هم كأفراد وأسرهم يجعلهم جميعاً في موقف صعب، ذلك أنهم في هذه الحالة يكونون متهمين، جلسوا أم وقفوا. لم يعد الأمر يحتمل تصريحات ولا إصدار بيانات، فالمطلوب من الجمعيات السياسية ومن علماء الدين المعنيين والذين في يدهم أن يوقفوا هذه المهزلة وأن يباشروا في اتخاذ اللازم لوضع حد لها، كما أن عليهم أن يضعوا في اعتبارهم أن الآخرين أيضاً يمكنهم ممارسة ما يمكن أن يتسبب في أذى المؤذين، فمثل هذه الممارسات سهلة، خصوصاً أنه يتوفر لدى الآخر أيضاً من يمكن وصفهم بأنهم «جهال»!