في سنوات سابقة كان أهل البحرين، الشيعة والسنة، ينشغلون في عاشوراء بعاشوراء، ولا يسمحون لأحد أن يخرجهم من أجوائه، فقد كان الجميع دون استثناء يستشعرون مصيبة أهل البيت عليهم السلام ويسعون إلى الاستفادة من هذه المناسبة للمزيد من التقارب والتعايش، لذا لم يكن مستغرباً أبداً حضور الكثيرين من أهل السنة مجالس العزاء حتى في القرى. اليوم أدخلوا عاشوراء في السياسة، وأدخلوا السياسة في عاشوراء إلى الحد الذي صار البعض يفسر كل حركة وكل سكنة على أن فاعلها يرمي من ورائها أمراً يسيء إلى الآخر ومعتقداته، فقد صار لكلٍ معتقد خاص به. هذا ما أوصلتنا إليه السياسة التي دخلها من لا علاقة له بها فعرض نفسه والآخرون للغرق والضياع وتسبب في تغيير النفوس وشق الصفوف. لا علاقة للإمام الحسين بما يجري من أحداث في البحرين ولا علاقة لأحداث البحرين بما جرى في كربلاء، وبالتالي صار لزاماً عدم توظيف هذه المناسبة لتخدم طرفاً أو آخر من الأطراف الداخلة في المشكلة البحرينية.عاشوراء مناسبة إسلامية تهم كل المسلمين؛ في البحرين يحييها البعض بطريقة معينة تجد الاحترام والقبول من البعض الآخر، وظلت طويلاً سبباً في التعايش بين البحرينيين من المنتمين إلى المذهبين الكريمين. وفي البحرين لا تتأخر الدولة عن تقديم كل الدعم لإنجاح موسم عاشوراء، والحكومة توجه الوزارات ذات العلاقة بتقديم الخدمات اللازمة لتحقيق ذلك، ولعل الجميع لاحظ قيام محافظ العاصمة بجولات ميدانية للاطمئنان على مختلف الترتيبات التي تسهل على المشاركين في مواكب العزاء، وكذلك محافظ الشمالية الذي فعل الأمر نفسه في بعض القرى. وسيلاحظ الجميع، كما في كل عام، قيام رجال الأمن بدورهم في التنظيم بغية التسهيل على المشاركين ومساعدتهم على الظفر بموسم عاشورائي ناجح لا يعكر صفوه شيء. هذه هي البحرين، هكذا كانت وهكذا استمرت ولن تتأخر عن توفير كل ما يضمن نجاح المناسبات التي تهم مواطنيها أو بعضهم، لهذا فإن ما يحدث أحياناً هنا أو هناك من قصص غريبة على مجتمع البحرين ليست إلا من فعل السياسة، التي للأسف، تقبل عضوية كل من يتقدم لها بطلبه ودون حاجة لملء استمارة العضوية. رجاء ابعدوا السياسة عن عاشوراء؛ هكذا يقول كل بحريني مخلص لهذا الوطن ويعرف قيمة ومكانة أهل البيت، رجاء لا علاقة لعاشوراء بالسياسة؛ هكذا يؤكد أولئك هذه المعلومة المهمة، فالسياسة سياسة وعاشوراء عاشوراء، ولا يمكن خلط هذا بذاك لأنه لا علاقة لهذا بذاك ولا علاقة لذاك بهذا، هكذا باختصار.في السياق نفسه مهم أن نرتقي جميعاً ونتفهم مسألة عدم وجود علاقة بين عاشوراء وأحكام القضاء، فليس منطقاً التوقف عن إصدار الأحكام في القضايا التي تنظرها المحاكم وتأجيلها إلى ما بعد انتهاء موسم عاشوراء، وليس منطقاً تفسير صدور أحكام معينة في حق متورطين في قضايا معينة تفسيراً سياسياً وربط ذلك بتطورات الأحداث في البلاد طالما أنها صدرت في أيام عاشوراء. في كل الأحوال لم يبق من «عشرة عاشور» إلا يومان، نتمنى أن تنتهي على خير، وأن يؤدي خلالهما المشاركون في عزاء الحسين عليه السلام واجبهم على أتم وجه، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يبعد عنهم المستفيدين من موسم عاشوراء لخدمة أجنداتهم وأفكارهم المتطرفة، كما نتمنى أن يتوقف الجميع عن تأويل الكلام والحركة وعدم اعتبار ما يصدر من تصرفات من أفراد على أنها معبرة عن جهات معينة، فهناك دائماً من لا تعينه قدراته على وزن الأمور ومراعاة الظروف والآخرين فيتصرف بطريقة تحرج تلك الجهات.