بين أصوات الرصاص الحي، والقنابل المسيلة للدموع والخانقة، والتعامل المفرط للقوة تجاه المتظاهرين السلميين في المدن الأمريكية تفاعلاً مع قضية مقتل الشاب الأمريكي الأسود وغياب المحاكمة العادلة والمنصفة لمن تورط في قتله. يتساءل كثيرون في البحرين والولايات المتحدة وحتى كثير من بلدان العالم؛ ماذا يحدث؟ وأين الديمقراطية الأمريكية التي كان البعض يحلم بها، والآخر يبشر بها؟مواطن أمريكي شاب يقتل من قبل رجل أمن، فتتلكأ الأجهزة المعنية بمحاسبته، وبعد ضغط شعبي وإعلامي كبير تقبل هذه الأجهزة محاسبته والدخول في محاكمة طويلة تمتد لنحو عامين، فتنتهي بالبراءة لرجل الأمن الذي قتل الشاب بست رصاصات رغم الروايات المتعددة بشأن مقتله الغامض والمشين.قرار المحكمة الأمريكية لم يكن منصفاً لأسرة الضحية الأمريكي، وكذلك بالنسبة للرأي العام، فتبدأ احتجاجات سلمية في منطقة صغيرة لتمتد إلى العشرات من المدن الأمريكية، حيث عبّر الشعب عن تضامنه مع أسرة القتيل، واستنكاره لحكم القضاء الذي اعتبروه «غير منصف» نهائياً. السلطات الأمريكية تعاملت بعنف وقوة مفرطة مع هذه الأحداث بشكل غير مسبوق عندما قام الجيش بتسليح كامل لقوات الأمن التي يفترض أن تتعامل مع هذه الأحداث بضبط النفس، وهدوء أكبر. كما اعتقلت مجموعة من الصحافيين الذين كانوا يؤدون مهامهم في تغطية الأحداث، وكانت المحصلة النهائية أن ما اعتبرته السلطات الأمريكية عنفاً تمت مواجهته بالعنف، وليس باحترام الحقوق المدنية وحقوق الإنسان، أو التحاور والاستماع للمطالب نهائياً. مدارس أغلقت، وحظر للتجول أعلن، وعرائض شعبية للمطالبة بإعادة المحاكمة، وإقالة المسؤولين الذين قاموا بمحاكمة رجل الأمن القاتل. وحتى مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية التي اشتهرت بالدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم تجاهلت الأوضاع الأمنية المتدهورة، والاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن، والتزمت الصمت، ولم تصدر تقاريرها المعهودة في مثل هذه المناسبات، رغم أن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون أصدر تصريحات مهمة طالب فيها السلطات الأمريكية باحترام الحقوق المدنية للمتظاهرين السلميين.باختصار هناك دروس أمريكية ينبغي الاستفادة منها من المناظر والمشاهدات البشعة لتعامل قوات الأمن مع المتظاهرين السلميين. وهي أن مبادئ حقوق الإنسان مجرد شعارات يتم التشدق بها أمام وسائل الإعلام والعالم لاحترامها، ولكنها لا تحترم عندما يتم المساس بالأمن القومي الأمريكي، وإن كانت القضية داخلية.بهذه الدروس الأمريكية المميزة يجب الاستفادة منها بحرينياً، فالبحرين اعتادت التعامل مع الشغب والعنف والإرهاب بحكمة بما يتواءم مع قوانينها الوطنية، وتعهداتها الحقوقية الدولية التي تنطلق من ميثاق العمل الوطني، ودستور المملكة كمحددات لضبط الأمن الوطني البحريني.ومع ذلك كانت الولايات المتحدة تمارس ضغوطها المستمرة على البحرين، وتطالب بضبط النفس، والتعامل بحضارية مع المتظاهرين «السلميين»، وتطالب واشنطن أيضاً بإطلاق حوار ذي مغزى بين كافة المكونات من أجل التوصل لحلول وطنية وتفاهمات تحفظ مصالح كافة مكونات المجتمع البحريني. بل وفي سبيل ذلك، فإن البيت الأبيض يحرص باستمرار على إرسال وكيل وزارة الخارجية المكلف بشؤون حقوق الإنسان إلى المنامة للوقوف على الأوضاع الحقوقية، ويجتمع مع بعض الأطراف لحثها على «الشراكة الوطنية والانخراط في حوار بناء ذي مغزى».ولكننا نستغرب من عدم إرسال الولايات المتحدة وكيل وزارة خارجيتها لحقوق الإنسان إلى ولاية ميزوري الأمريكية للاطلاع على أوضاع حقوق الإنسان، وإيقاف العنف واستخدام قوات الأمن للقوة المفرطة مع المحتجين!هذا التناقض الأمريكي في التعامل أشعر البحرينيين بصدمة، ولكنه من الأهمية بمكان تحويل هذا التناقض والصدمة إلى درس نتعلم فيه من الحلفاء الاستراتيجيين بالولايات المتحدة كيفية التعامل مع «الاحتجاجات السلمية».