لا أحبذ تخصيص مساحة عمود كاملة للتطرق لحالة خاصة، فالحالات الفردية مكانها بريد القراء والتي تتعاطى معها بفاعلية أكثر قطاعات الدولة وعلى رأسهم ديوان صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء حفظه الله ورعاه.لكن أحياناً تمر علينا حالات تفرض الالتفات لها خوفاً من وجود مثيلات لها بنفس درجة الفداحة، وأيضاً لهدف بيان الصورة بشكل أوضح، باعتبار أنه من شديد الغرابة أن نشهد حالات مثل هذه.ندخل في الموضوع ونتحدث عن هذه الحالة التي صادفتني وشكتها لي مواطنة بحرينية بحرقة قلب و«قلة حيلة» في نفس الوقت. والغريب أنها بقدر ما كانت تتحدث بألم لم تخرج منها كلمة واحدة خاطئة بحق البلد بل على العكس من ذلك تماماً. وهنا استغربت بالفعل، إذ كم منا يشكو محنته وألمه وهمه وبدلاً من أن يقول «حسبي الله ونعم الوكيل» يقول «الله يرزقنا» و«الله يعطينا مما أعطاه لغيرنا؟!».القصة ترويها صاحبتها فتقول «إنه قبل 35 عاماً قدم والدها طلب الحصول على وحدة سكنية من وزارة الإسكان، وفي هذا مارس حقه المكفول من قبل الدولة التي وفرت للناس الخدمات الإسكانية ودرجت على فعل ذلك لعقود فصار حقاً مكتسباً من حقوقهم. وأقول ذلك لأن بعض المسؤولين قالوا مرة قولاً يفيد بأن الدولة غير ملزمة بتوفير السكن للناس، فكان ردي عليهم بأنها درجت على تقديم الخدمة بالتالي باتت ملزمة للناس وضمنت ذلك بنداً يفيد بتوفير السكن اللائق في الدستور، ورغم ذلك هي لا تقدم أصلاً مجاناً فالناس تدفع على ذلك زهاء ربع قرن وما يصل لربع الراتب، بالتالي هي ليست أصلاً خدمة مجانية».عموماً الرجل قدم طلبه قبل 35 عاماً، وحتى يومنا هذا لم يحصل على الوحدة السكنية، وطوال هذه الأعوام قام بعملية تجديد الطلب أو «إحيائه» كما يحبذون تسمية العملية، ولكن في التجديد الأخير جاءته إجابة صاعقة تفيد بأنه من الاستحالة منحه وحدة سكنية باعتبار أنه تعدى سن الستين!!هذه طبعاً من القوانين المحددة لمنح الوحدات السكنية، لكن القول في هذه المسألة يتركز على معرفة إجابة تساؤل مهم مفاده بأنه من المسؤول عن ذلك، هل هو المواطن نفسه الذي انتظر 35 عاماً دون فائدة، أم الجهة المعنية التي لم «تنجح» و«فشلت» في توفير الوحدات السكنية طوال أكثر من 3 عقود من الزمان؟!هنا نقول بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال وليست من العدالة بمكان أن يتحمل المواطن وحده نتيجة فشل طرائق عمل أو سياسات وضعها مسؤولون يفترض بهم الحرص على تلبية احتياجات الناس.هذا الرجل وعائلته عاشوا لعقود في بيت مؤجر، واليوم انتشر أبناؤه بحكم الزواج وبقي هو وزوجته ولم يكتب الله له أن يستفيد من خدمة تقول الدولة إنها من واجباتها تأمينها لمواطنيها.المواطنة البحرينية تقص علي قضية والدها وثم تبين بأنها هي وزوجها أيضاً واجها مسألة مشابهة تقريباً، التشابه في النتيجة باعتبار أنه «أسقط في يدهما» وليس من حل أمامهما. فحينما تقدما بطلب وحدة سكنية تم الرد عليهما بالشرط الظالم بدمج راتب الزوج والزوجة، وحينما تقدما بطلب قطعة أرض تم الرد عليهما بأن راتب الزوج أقل من 500 دينار (أخبروهما بأن في حالة الأرض لا يمكن دمج الراتبين!)، وبات الحل الوحيد هو الحصول على ورقة تنازل قانونية موثقة تفيد بأن الزوجة هي العائل الأول للعائلة وليس الزوج باعتبار أن راتبها أعلى من 500 دينار. وطبعاً هناك من سيقول وماذا عن قرض الشراء الذي يصل لـ60 ألف دينار؟ وهنا نترك الناس لتقول لكم عن «البيوت الفاخرة» التي يمكن شراؤها بهذا المبلغ، والذي يجب أن يرد للإسكان وبفوائد طوال سنوات طويلة.عموماً سألتني وهي تبتسم: أنا بحرينية وزوجي بحريني وجذور أجدادي في هذه البلد الطيبة، هل معقول ومقبول أن يعاني البحريني هكذا؟! ما الذي يجب علينا فعله؟! أعطني حلاً إن كنت تملك حلاً!هي لم تقلها -كما بينت أعلاه- لكنني لا أملك سوى قولها وأن أرى معاناة مواطن لـ35 عاماً وآخرها يقال له «ما يحق لك شيء»، أقولها وأنا أرى معاناة أسرة بحرينية شابة لا يمكنها الاستفادة من خدمات بلدها، نعم أقولها وعل الله يكون مسهلاً للأمور: «حسبي الله ونعم الوكيل».