لا بأس أن نختلف فهذا أمر طبيعي؛ الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين في أمور كثيرة، ليس أولها الأطوال وليس آخرها العقول وليس مثالها فقط أصابع اليد الواحدة، حيث لا يتوفر فيها متساويان، لكن اختلافاتنا الجسدية لم تمنعنا من التعايش والتفاهم والعمل لإعمار الأرض وتحقيق النجاحات والعيش في سلام. الأمر نفسه ينطبق على اختلاف آرائنا واختلاف الزوايا التي ننظر منها إلى مختلف المسائل. الإبداع ليس في تشابهنا ولكن في اختلافنا، والإبداع يكون في تمكننا من الوصول إلى اتفاقات ونحن مختلفون وليس في الوصول إلى اتفاقات ونحن متشابهون ومتفقون، لأن هذا الاتفاق الأخير لا قيمة له كوننا من الأساس متفقين. كل فرد بيننا عاش في بيئة مختلفة بطريقة أو بأخرى عن البيئة التي عاش فيها الآخرون؛ فوالداه مختلفان عن والدي الآخرين، وإخوته كذلك والظروف الاقتصادية والعلاقات والأحداث والتعليم والحالة الصحية وغيرها من الأمور التي لا بد أنها السبب في تشكل هذا الفرد ووصوله إلى قناعات معينة وأفكار ومبادئ يؤمن بها، فليس من عاشوا في حي واحد صاروا على فكر واحد ورأي واحد وقناعات مشتركة، بل إن الاختلاف يتوفر في البيت الواحد، فهناك الكثير من العائلات التي أنتجت شيوعيين مثلما أنتجت رجال دين، وظهر منها محجبات وسفور وكانوا جميعهم يعيشون في بيت واحد ويأكلون من صحن واحد ورضعوا من ثدي واحد. الاختلاف سنة الحياة، ولا لذة في الحياة في غياب الاختلاف، والعاقل هو من يوظف هذا الاختلاف في البناء والإعمار وليس في الهدم والتخريب. لولا اختلاف الزوايا التي ننظر من خلالها إلى الأمور لما تطورت الحياة ولما وصلنا إلى ما وصلنا إليه في مختلف المجالات، ولولا اختلاف الزوايا التي ننظر من خلالها إلى القضايا لما تمكن منتسبو جمعية سياسية مثلاً من الاتفاق على رأي أو فعل يعبر عن الجميع.الاختلاف أساس، لذا فإنه ليس على الإنسان إلا التوجه نحو المشتركات، فهناك دائماً مساحة مشتركة يمكن للجميع أن يلتقوا فيها ويتفقوا على أمور ينتج عنها ما يفيد الجميع وما يعين على تقبل أحدنا للآخر والتعايش. لعل أقرب مثال لهذا هو أن المسلمين يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، والمسيحيون يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، واليهود يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، هذه مساحة مشتركة ينطلق منها الجميع وتتيح لهم استيعاب الاختلاف الذي هو من طبيعة البشر، ولولا أنهم يشتركون في مساحات معينة لانتهت الحياة في يومين. المقاربة نفسها يمكن تطبيقها على مختلف الأمور؛ فالمسلمون مثلاً يشتركون في إيمانهم بالله سبحانه وتعالى وفي إيمانهم بالرسل والملائكة والكتاب واليوم الآخر وبالقضاء والقدر، ولكنهم يختلفون في التفاصيل التي هي من طبيعة البشر ونتاج اختلاف البيئات واختلاف زوايا النظر إلى الأحداث التاريخية وغيرها. وجود المشتركات بينهم تقلل بالضرورة من الاختلافات أو على الأقل تخفف من حدتها ولكن بالتأكيد لا تلغيها، فلا يكون أمامهم سوى التعايش والتفاهم واعتماد مبدأ التسامح وإلا انتهى أمرهم. والأمر نفسه ينطبق على المسيحيين واليهود وديانات واعتقادات كل البشر. من هنا صار علينا أن نستفيد من الاختلافات فيما بيننا بدل أن نتركها تتحكم فينا وتقودنا إلى التهلكة وتحيل حياتنا إلى جحيم. أما كيف نستفيد من الاختلافات فجوابه عند العقلاء والحكماء الذين ينظرون إلى الأمور بمنظار مختلف عن غيرهم ويؤمنون بالمساحات المشتركة وينطلقون من مقولة إن الاختلاف لا يفسد الود ويعرفون أن الاختلاف رحمة وليس نقمة وأنه إبداع وليس نقصاً أو عيباً. ومن هنا أيضاً يصير سهلاً تقوية الجبهة الداخلية فمن دونها تتعرض بلادنا للخطر ويضيع الأمان