اليوم هو العاشر من شهر محرم؛ ذكرى استشهاد الإمام الحسين، يوم له مكانة عظيمة في نفوس أهل البحرين، يعمد البعض منهم إلى صيامه بينما يحييه البعض بطريقته الخاصة؛ حيث يخرجون في مواكب العزاء في العاصمة وبعض المدن والقرى مستفيدين من التسهيلات والخدمات التي توفرها لهم الدولة. احتفال يستحقه سيد شباب أهل الجنة وسبط الرسول عليه الصلاة والسلام ويستحقه أهل البيت الكرام، وإن كان هناك من يرى أن البعض من ذلك البعض يبالغ في مراسم العزاء والتعبير عن حبه للإمام الحسين إلى الحد الذي يؤذي نفسه، ففي هذا اليوم يلجأ بعض المعزين إلى الضرب على رؤوسهم بالسيوف بغية الإدماء. سبق أن دخلت في مناقشات مع كثيرين في موضوع التطبير، أو ما يعرف في البحرين باسم «الحيدر»، ورأيي فيه دائماً هو أن التعبير عن حب الحسين وآل البيت عليهم السلام أمر طيب، وهو يدخل في باب الحريات التي أؤمن بها، ولكن ينبغي عدم إيذاء النفس، خصوصاً وأن هذا المظهر تحديداً مختلف عليه عند علماء الشيعة؛ فهناك من يعتبره مكروهاً وهناك من يرفضه وربما يحرمه، وهناك من يدعو إلى الاستفادة من الدم بالتبرع به للمحتاجين له من المرضى بإيداعه الثلاجات الخاصة بالمستشفيات بدل إهداره، وربما التسبب في تناقل أمراض خطيرة، وهو ما يزال البعض يطبقه حيث يتم في كل عام تنظيم حملات للتبرع بالدم بدل خسارته بطريقة مختلف على صحتها.لعل من المفيد هنا توضيح أن المتحمسين لممارسة هذا النوع من التعبير «الحيدر» هم مقلدو المراجع الدينية التي تؤيده، حيث التقليد يوجب الالتزام بالأحكام التي يعتمدها المرجع في رسالته العملية، والتي تتضمن فتاواه وما وصل إليه من قناعات، فمقلدو الشيرازي، مثلاً، والذين يعرفون في البحرين بالشيرازيين يقبلون بكثرة على ممارسة التطبير لأنه يجيزه ويحث عليه ويرى فيه أجراً كبيراً، بينما مقلدو الخامنئي يقفون من التطبير موقفاً سالباً لأنه لا يقول به ويرفضه وربما يرى فيه إثماً كبيراً، ولهذا فإن التطبير يعتبر من الممنوعات في إيران ويمارسه البعض بالسر كي لا يتعرض للعقوبة. وهكذا بالنسبة لبقية المقلدين من المراجع الدينية، فمنهم من يجيز التطبير ومنهم من لا يجيزه، والمعزون يفعلون بما يقوله أولئك المراجع، لذا فإنهم منقسمون في هذه المسألة. أما غير ساكني البحرين ممن يقلدون المراجع الدينية التي تجيز التطبير فيأتون من بلدانهم التي لا يجدون فيها مثل هذه الحريات ليشاركوا في مواكب العزاء الخاصة بهذه الممارسة، لذا يلاحظ كثرة أعداد المطبرين. الأجواء الديمقراطية التي تعيشها بلادنا تحتم قبول كل ممارسة لا تسيء إلى الآخرين ولا تضرهم، من هنا فإنني مع من يرغب في التعبير عن قناعاته سواء بالتطبير أو بغير ذلك، وإن كنت لا أنصح بمثل هذه الممارسات، لكنني أرفض إدخال الأطفال في مواكب التطبير أياً كانت الأسباب، ويكفي أن الطفل يدخلها من دون إرادته، وهذا مناقض للحريات. في سنوات سابقة انتشر فيديو لآسيوي كان يشارك في موكب التطبير في بلاده عمد إلى إدماء رأس طفله الرضيع والذي كان يحمله بالسيف، من شاهد ذلك الفيلم لا بد أنه شاهد الرعب الذي برز في عيني الصغير، فهو لا يعرف شيئا عن الذي يدور ولا يدري لماذا هو في ذلك المكان ولماذا ضربه أبوه بالسيف على رأسه وعرض حياته للخطر. قرار البالغ في يده، وله أن يحمل السيف في هذا اليوم أو يكتفي بالمشاركة بطرق أخرى، لكن ينبغي إبعاد الأطفال عن هكذا ممارسة، فوجودهم في الحيدر ليس بإرادتهم وهو ما ينبغي رفضه.