الدعوى المرفوعة ضد صحيفة «الوطن» ورئيس تحريرها مارس من خلالها المدعون حقهم الذي يكفله لهم الدستور وينظمه القانون، فقد قدروا أن الأمر يستدعي الاستفادة من كل هذا فرفعوا الدعوى. وبالمقابل، فإن ما نشرته «الوطن»، وكان سبب رفع الدعوى، يدخل في باب ممارسة الحق في النشر، فـ «الوطن» صحيفة مرخصة تخضع لقوانين النشر والتوزيع وتعمل من خلال الدستور الذي يوفر لها كل ما يلزم من قوانين تستطيع -كغيرها من الصحف- القيام بدورها في خدمة المجتمع وهو دور قيادي وتنويري.الطرفان إذاً؛ المدعي والمدعي عليه، مارس كل منهما حقه الذي ينظمه القانون، والنيابة العامة هي الأخرى مارست دورها استناداً إلى القانون فاستمعت للمدعي واستدعت رئيس تحرير الوطن للتحقيق، وما سيحدث هو أن النيابة العامة ستتخذ أحد قرارين؛ إما أن تحفظ القضية لو لم تقتنع بها ولم تجد ما يستدعي تحويلها إلى المحكمة، أو تقتنع بها وتحولها إلى المحكمة لتفصل فيها وتعطي المدعي حقه لو كان الحق معه. تماماً مثلما فعلت مع قضايا أخرى تم رفعها ضد الصحف ورؤساء التحرير.إلى جانب هذه القضية التي تنظر فيها النيابة العامة؛ تنظر المحكمة العديد من القضايا المشابهة، فهذه قضية مرفوعة من مواطن ضد الزميلة «أخبار الخليج»، وتلك قضية مرفوعة من وزيرة شؤون الإعلام ضد الزميلة «الأيام»، وسجلات النيابة العامة والمحاكم لا تخلو أبداً من قضايا يتم رفعها من أفراد أو جهات استناداً إلى الدستور والقانون. هكذا هي البحرين اليوم؛ الجميع ينطلق من الدستور والجميع يحتكم إلى القانون، وإذا كان لك حق فستأخذه عبر الأدوات الحضارية التي توفرها الدولة للجميع. في هذا السياق جاءت الدعوة التي رفعها وزير العدل ضد جمعيتي وعد والوفاق، وفي هذا السياق أتت وتأتي وستأتي دعوات تم ويتم وسيتم رفعها من قبل البعض ضد البعض الآخر، وكل هذا ينبغي ألا يفسد الود بيننا، حيث الجهة المخولة بإحقاق الحق لا يمكن أن تنحاز لهذا الطرف على حساب الطرف الآخر أياً كانت الأسباب. فالوزير والخفير كلاهما يخضعان لقانون واحد، ولا يهم النيابة العامة إن رفضت شكوى مقدمة من وزير ضد خفير وحفظتها، ولا يهم المحكمة إن قال عنها هذا أو ذاك ما يريحه، فالنيابة العامة والمحكمة تنحازان لصاحب الحق، فهذه مهمتهما، وهما أساس العدل وسمعة البلاد. من هذا المنطلق تقدم المدعون ضد «الوطن» للنيابة العامة، ولو أنهم لا يثقون فيها وفي المحكمة لما تقدموا بالشكوى، ولولا الاعتقاد أن هذه المؤسسات الحضارية تحق الحق ولا تنحاز إلا إليه لما تقدم إليها أحد ولسكت من يشعر أن حقه ضائع لسبب أو لآخر عن حقه. كل هذه القضايا المرفوعة ضد الصحف المحلية وضد الجهات والأفراد من الجهات والأفراد ومن الحكومة تؤكد أمراً واحداً هو أن مملكة البحرين هي مملكة القانون، وأنها مثال للدولة الحضارية التي لا تنتصر للغني على حساب الفقير، ولا يفرق دستورها وقانونها بين هذا وذاك، ولا يهمها إن زعل فلان أو علان لو أن الحكم لم يصدر في صالحه، حيث المحكمة لا تسعى إلا إلى إحقاق الحق.ما سبق يفتح الباب على مصراعيه لسؤال مهم؛ فطالما أنه يوجد في البحرين كل هذه المؤسسات التي يمكن من خلالها التقاضي ووصول صاحب الحق إلى حقه؛ فلماذا يلجأ ذلك البعض إلى تلك الأساليب غير الحضارية التي يعرف مسبقا أنها لا توصله إلى شيء؟ لماذا يريد أن يأخذ «حقه» بيده؟ ولماذا يريد من هذه المؤسسات أن تحكم لصالحه حتى وهو متأكد أنه متجاوز للحقوق؟