أكثر ما يحتاجه الناس اليوم هو جهاز «كشف الكذب»، حتى يتمكنوا من تمييز المترشح الذي رشح نفسه بنية صادقة لأجل خدمة الناس من المترشح الذي «داخل على طمع» لأي مكسب من مكاسب البرلمان (فلوس، برستيج، سيارة، راتب .. إلخ)، وعليه يحددون موقفهم إلى أين يتجه صوتهم.الغريب في المشهد أن كثيراً من المترشحين يتحولون في فترة الدعاية الانتخابية إلى «أشباه ملائكة» وأستغفر الله العظيم على التشبيه، أوأن يكون بعضهم نسخة محدثة من «أفلاطون» بما يصدره عنه من مبادئ وحكم وأمثال، وبعضهم لسانه وما يكتبه في شعاراته أو تغريداته تدخل في تصنيف «الدرر» التي لا تصدر إلا عن فيلسوف إغريقي أو عالم دين ورع.أنت يا مواطن محتار اليوم، كمن يدخل إلى مطعم يعرض «بوفيه» طويلاً عريضاً، فيه كل المأكولات المعروضة بشكل «مزركش» جميل، لا يمكنك أن تذوق من كل الأطباق، رغم أنها مقدمة بشكل مغر، وبعضها يغريك لأنها الأطعمة التي تشتهيها (طبعاً نعني هنا الشعارات المعنية بهموم الناس)، بالتالي تحتار من تختار، فماذا تفعل؟في حالة البوفيه، هناك من يتذوق ليكتشف أن الأكلة حلوة المذاق، مكوناتها طازجة، رائحتها زكية . إلخ، وبعضهم يختار «ويغامر» بأكلة إما جربها من قبل أو شكلها أعجبه، فإما تصيب أو تخيب. من يتذوق أقلها هو يبحث ويحاول أن يسبر ويحاول أن يكتشف، وعليه هو أقل ضرراً ممن سيجازف ويرمي اللقمة رمياً داخل فمه.والناخب اليوم عليه أن يراقب التصرفات أكثر مما يستمع إلى الشعارات والكلام المعسول وحتى الكلام الإنفعالي المتحمس والمندفع، فما يحصل أمامك اليوم يذكرني بدعاية لإحدى ماركات السيارات والتي تقول في نهايتها «قد تكون المظاهر خداعة».كل مترشح سيتحول اليوم إلى شخص نزيه وتقي يخاف الله وصاحب مثاليات وقيم، لكن هل هذه هي الحقيقة؟لا تنخدع يا مواطن بالشعارات، فالكلام سهل كتابته، بل السطور سهل جداً تطريزها وتحويلها لشيء يقارع الشعر الجزيل، ونحن كتاب وأهل صحافة ونعرف ذلك تماماً. ابحث في تاريخ المترشح، تتبع مسيرته المهنية، اسأل عنه في المنطقة، هل يعرفه الناس، هل بالفعل هو نفسه الشخص في تعامله «وقت الدعاية الانتخابية» مثلما هو تعامله وأخلاقه في الأوقات الأخرى، أي حينما لا يوجد سباق انتخابي محموم؟البحرين صغيرة جداً في مساحتها، وكما نقول باللغة العامية «كلنا أهل قرية، وكل يعرف خيه»، بالتالي هناك بعض المترشحين الذين يرفعون شعارات «أفلاطونية» فيها من القيم والمثاليات ما ليس في المترشح أصلاً، بل بعضهم يقول «ضميرنا يعمل من أجلكم» وتاريخه يثبت بأنه شخص «بلا ضمير»!ولأن أهل البحرين الصغيرة في حجمها يعرفون أغلب من فيها، وكل مترشح يمكنهم معرفة تاريخه وسلوكه وأفعاله، نجد تعليقات بعضها قاس وآخر ساخر وثالث متندر وبعضهم ساخط مغموس بالهجوم الشرس على بعض الأشخاص الذين ينشرون إعلاناتهم في وسائل التواصل بالأخص حيث تكون المساحة متاحة للتعبير عن الرأي.هنا نقول للناخب في سعينا لتعزيز الوعي المتنامي لدى الناس بأن لاحظ ودقق، لا تترك الشعار يخدعك، لا تجعل الجمل المصفوفة تستهويك، ولا أسلوب «الترويج» بالفيديوهات والصور والإبهار البصري يغريك، دقق في المترشح تابع سلوكياته، راقب تعامله مع الناس.من يتصنع ويتجمل ويحاول أن يمسخ نفسه ويطمس شخصيته ليظهر بشخصية أخرى ملائكية، هؤلاء يسقطون سريعاً عند أي محك أخلاقي سواء الكلام أو المعاملة، هؤلاء ينكشف غطاؤهم حينما تشد عليهم في النقاش المنطقي، من أفعالهم يمكنك معرفة حقيقة نواياهم من وراء الترشح.الناس ليسوا مغفلين، فهناك من يترشح لأجل المال والمزايا العينية، وهناك من يمتلك المال لكنه يترشح لأجل «البرستيج» ووصف «سعادة النائب»، وهناك من يترشح لأجل الناس لكن اكتشافهم عملية صعبة لأنهم يضيعون وسط زحام المترشحين.فقط تابعوا التصرفات ويمكنكم الحكم، وهنا القصص كثيرة والناس يمكنها أن تملأ صفحات وصفحات من «سوالف» المترشحيـــــن العجيبـــــة وتناقضاتهـــــم و»تمثيلهم» في الفترة الانتخابية.الأمثلة عديدة، لكن أبرزها أولئك الذين يظهرون فجأة للصلاة في المسجد طوال فترة الدعاية الانتخابية، لا يفوتون فرضاً حتى صلاة الفجر، حتى السنن يقيمونها. هؤلاء ليسوا زوار المساجد في رمضان، بل هناك ما هو أخطر، إنهم زوارها كل أربع سنوات! وهنا أجمل ما في الموضوع أن تذهب لسعادة المترشح وتسأله: «عسى ما شر يا فلان، نشوفك تصلي هالأيام معانا، وينك طول هالسنوات؟!». وطبعاً الأعذار جاهزة مشغول، مرتبط، أروح مسجد ثاني. طيب الآن أنت لست مشغولاً أو مرتبطاً أو لا تذهب للمسجد الآخر! والله الرد عليهم كما قال الزميل العزيز الأستاذ سعيد الحمد: «تركوا عنكم العبو والربو».مثال أشهر، وقد يصادفكم مثله الكثير، كمترشح يمر أمام مجموعة من الرجال جالسين، لا سلام ولا تحية، ويضع إعلانه الانتخابي على مقربة منهم ثم يمضي في طريقه، وقمة المهزلة هنا حينما تذهب لتقرأ الإعلان فتجد مكتوباً عليه: «لأجل الشعب سنعمل بجهد، ونحن منكم وفيكم»!! يا أخي أنت سلم على الشعب أولاً، بعدها «قص عليهم بكم كلمة»!الزبدة هنا، يا ناخب يا واعي، لا تنخدع بالمظاهر، ولا تغشك الصفات الحميدة التي تظهر في مواسم معينة دوافعها أهداف معينة يحققها بعض هؤلاء عبر استغلال صوتك، والذي سيكون نتيجة لخداعك وتضليلك. دقق، فند، ناقش، حاسب، لا ترحم، لا تتساهل، والأهم تمهل لأن «الممثل» لابد له أن يسقط في زلة هنا أو يقع في مطب هناك.بالتوفيق لكثير من المترشحين للمجلس النيابي، لكن بعضهم ونظراً لمؤهلاتهم وتاريخهم وأخلاقهم وسمعتهم بين الناس، نعود ونقول لهم: «يا وجه استح»!