تكثر منابت الفخر الأمريكية في أروقة الحزب الجمهوري أكثر مما توجد لدى الحزب الديمقراطي، وقد ظهر الفيل كشعار لهم لمساندة أبراهام لينكون، فسار كفيل ضخم يحطم كل ما تطؤه قدماه لتوحيد البلاد بعد تحرير العبيد، كما أن من الرؤساء الأمريكيين الجمهوريين العظام ثيودور روزفلت، الفائز بنوبل، وريغان الذي فكك الاتحاد السوفيتي ثم بوش الذي طرد صدام من الكويت.لقد عاد الفيل الجمهوري لاقتحام الكونغرس محطماً الديمقراطيين في معاقلهم التاريخية، وفي الكونغرس ستمنع الأغلبية الجمهورية أوباما المتردد عن الإجراءات التنفيذية التي تتجاوز السلطة التشريعية، كما ستجبره على تشريعات تردد في اتخاذها، ما يعني انتهاء زمن رسم الخطوط «الأوبامية» الحمراء القابلة للمحو على عجل، فكيف ستتعامل واشنطن التي كثرت فيها فيلة الجمهوريين مع ملفات تؤثر في الخليج العربي كملف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وملف إيران وملف العلاقات الأمريكية الخليجية؟يمثل فوز الجمهوريين الحجر الأول المنتزع من هرم الدولة الإسلامية التي تتوعدنا بهمجيتها في شوارع الخليج، فلحسن الحظ وصل الجمهوريون قبل أن يتفكك التحالف الدولي ضد «داعش»، فقد سبق أن انتقد الجمهوريون ضعف تعامل أوباما مع هذه الجماعة المارقة حتى على النواميس العربية والإسلامية.ففي رأي الجمهوريين جون ماكين وليندسي غراهام، بأن أمريكا لم تصبح أكثر أمناً اليوم مما كانت عليه قبل خمس سنوات كما يدعي أوباما؛ لذا طالبا طويلاً بضرورة ضرب «داعش» أينما كانوا، والآن وبعد أن سيطر الجمهوريون بقوة على السلطة التشريعية والمتمثلة برئاسة لجان القوات العسكرية التي سيرأسها جون ماكين ولجنة الاستخبارات ولجنة الشؤون الخارجية ولجنة المالية والمخصصات، ولكسب الشارع الأمريكي الذي يقول ثلثه إن «داعش» بمنزلة التهديد الأكثر جدية، وعليه انقادوا للجمهوريين فصوتوا لهم، الآن لم يعد أمام أوباما إلا أن يأخذ بعين الاعتبار مطالب وضغوط الجمهوريين، وكان أول إجراءات أوباما وهو يلعق جراحه رمي كرة «داعش» في مرمى الجمهوريين، حيث طلب تمويلاً إضافياً بقيمة 3.2 مليارات دولار لحرب «داعش»، ونسي تمويل مكافحة «إيبولا» التي اعتقد بداية أنها رحمة نزلت عليه من السماء ليتوارى خلفها. أما فيما يخص الملف الإيراني؛ فقد جعل الجمهوريون التصدي لإيران بدل محاورتها منصة لترويج خطابهم، فالحل العسكري خيار يكتسب مصداقية أكبر، وعليه نتوقع أن يتكرر تعبير «الصقور الجمهوريين» كثيراً بين فريق عمل صنع السياسة الخارجية الإيرانية، فقد ولى زمن رسم الخطوط الحمراء ومحوها، وولى زمن الحرص على عدم فشل المفاوضات بدلاً من منع إيران من صنع قنبلة نووية، لقد جعل الارتباك إدارة الديمقراطيين تعتقد أنه سيكون هناك خصم من رصيدها على أصعدة عدة أكثر مما تخسره إيران، فلاحقت صفقات الوهم من فيينا إلى مسقط، والتي ستتقلص بعدها فرصة التوصل لاتفاق لحلول الموعد النهائي في 24 نوفمبر الجاري. وكثيراً ما يتهم الحزب الجمهوري بأنه حزب المسنين والرجال دون النساء مما جعله قريباً من عقلية صانع القرار الخليجي، بل والرجل الخليجي بشكل عام، فتراثنا يقول «الحي يحييك والميت يزيدك غبن»، فالجمهوريون يمارسون سطوة القوة خارج القانون الدولي، وقد زادنا تقلب وبرود أوباما غبناً في إيران والعراق واليمن، ثم ختمها بطفولية عسكرية تفتقد الحس الاستراتيجي حين اعتمد الحملة الجوية فقط على الدولة الإسلامية، وتحول الغبن الخليجي إلى غضب حين تكشفت «رسالة» أوباما السرية لخامنئي.وفي الوقت نفسه نرى تقرباً واضحاً للحزب الجمهوري لإصلاح صدوع العلاقات الخليجية الأمريكية جراء تكتيكات أوباما غير المحسوبة، لكن ذلك لا يخفي بعض نقاط الخلاف؛ فالجمهوريون معروفون بدعمهم لصناعة النفط، وقد ينهون منع تصدير النفط الخام الأمريكي للخارج، مما يعني تضييق الخناق على صادرات الخليج التي تعاني أصلاً جراء تزايد إنتاج النفط الصخري الأمريكي، ورغم تلك التوازنات الحرجة إلا أن الخليج يراهن على الجمهوريين، ولن يترك يد النسيان تطوى صفحة «الأوبامية» في الخليج بل سيساعد في تمزيقها أرباً.