منذ اليوم الأول للانتخابات النيابية والبلدية في البحرين ومواقع الإنترنت والصحف تعج بمقالات تتحدث عن السقوط المدوي لجمعية الوفاق، تحلل أسبابه ونتائجه، ولست هنا لأحلل، فحجم المشاركة في الانتخابات كان الصوت الأعلى الذي تضيع بقوته كل الأصوات، لكن متابعة مجريات الأحداث والطريقة التي تعاملت بها الوفاق والنتيجة التي وصلت إليها، ذكرتني بحادثة حقيقية سمعتها في ثمانينات القرن الماضي من صاحبها.عندما دارت رحى الحرب العراقية الإيرانية كان هناك تشكيل عسكري عراقي اسمه «الجيش الشعبي» يقاتل فيه رجال غير مكلفين بأداء الخدمة العسكرية لبضعة أشهر، وكان معهم أفراد قليلون جداً من المتطوعين العرب الراغبين بأن تكون لهم مشاركة ولو رمزية في هذه الحرب، يقول صاحبنا عندما كنت أقاتل في صفوف ذلك الجيش جاءنا أحد الوافدين متطوعاً وكان مصري الجنسية، كنا يومها في خط متقدم وفي شق أرضي لا يفصلنا عن العدو الإيراني إلا بضعة أمتار تشكل مساحة تسمى في العرف العسكري بالأرض الحرام، يومها كانت الجبهة تنعم بهدوء نسبي ولم تكن هناك معركة، وعندما وصل المتطوع المصري جلس في الموضع ثم أخذ بندقيته وبحركة سريعة رفع رأسه وبدأ يكيل العدو برشقات ثم يعود ليختبئ في الموضع، ويكرر هذه العملية كأنه يجسد أحد الأفلام الأمريكية، فقلت له عندما لا تكون هناك معركة واشتباك يتحاشى العدو استفزازنا بتوجيه ضربات حتى لا نقابله بالمثل ونحن كذلك، فتعد هذه الأيام فترات استراحة للطرفين والرشقات التي تطلقها يمكن أن تراها في الأفلام لكن الحرب لها أعرافها فاجلس، فقال لي: «ده أنا بناور» أي أنه يقوم بحركات مناورة مع العدو، ولم ينفع معه النصح، حتى وقف آخر مرة وقبل أن يطلق أي رصاصة أصابه قناص إيراني بطلقة في رأسه من بندقية قنص نوع دراغانوف الروسية، فأرداه قتيلاً في الحال، وخر واقعاً في حجري فنظرت إلى جثته وقلت له: «أقول لك أركد شوي» تقول لي: «ده أنا بناور» ارتحت!.هذا بالضبط ما فعلته الوفاق التي لم تستمع للنصيحة وأجهضت الحوار أكثر من مرة، وراهنت مؤخراً على الحصان الخاسر، فلم تحقق ما أرادت وافتضح أمرها في ادعاءاتها بخصوص ثقلها في الشارع وحتى نسبة من تدعي أنها تمثلهم في البلاد، فكانت الانتخابات بمثابة تلك الرصاصة التي أسقطتها لكن ليس في حجر أحد، إنما في بئر عميق وحتى تخرج منه تحتاج إلى عشرات العقلاء ليخرجوها، هذا إن بقي فيها الروح.الحياة السياسية في البحرين تسير بالشعب لا بالجمعيات، وهذا ما أثبتته نتائج الانتخابات هذه المرة، ولن توقفها الوفاق ولا غيرها لأن الشعب يريد لها الاستمرار.
Opinion
مناورات الوفاق ورصاصة القناص
09 ديسمبر 2014