كل منا لابد أن يمر بمواقف محرجة في حياته، سواء مضحكة أو مؤلمة، ولكل موقف ميزته ونكهته الخاصة. إلا أن هذه المواقف تصبح في طي النسيان مع مرور الوقت، فتبعد عن ذاكرتنا رويداً رويداً إلى حد الاختفاء، وهذه طبيعة النفس البشرية ولا شيء عكس ذلك.ولكن من دون أي إصرار سابق وبدافع خارج عن إرادتنا تبقى المواقف التي تعلمنا درساً لأنها تنطبع بذاكرتنا وتعلم بها.وعادة ما ننسب إلى أنفسنا أنه كلما تقدمنا عمراً ومعرفة، علماً وثقافة، فإننا سنكون محميين من الدخول في دائرة الإحراج، لأن العتب سيكون علينا أكبر بسبب أن الموقف سيبقى راسخاً في أذهاننا وأذهان الأطراف الشاهدة على هذا الموقف أو ذاك.ولكن كما يقول المثل «غلطة الشاطر بألف غلطة»، ورغم الحيطة والحذر اللذين نسور بهما أنفسنا إلا أنه من السهل أن تجد نفسك فريسة موقف محرج صادر من فتاة لا يتعدى عمرها العشر سنوات.كلمتني والدة «نور» الأسبوع الماضي، وكان ذلك قبل ساعة من مدفع الإفطار؛ فهي تريد أن توصل عدداً من السلال الرمضانية لأصحاب النصيب، فاعتذرت لمجموعة من الأسباب التي حالت بيني وبين الأجر العظيم. فما كان من صديقتي بعدما تعذر عليها إيجاد شخص راشد يرافقها لإتمام مهمتها سوى الاستعانة بابنتها «نور» الصائمة، والتي كانت مواصلة السهر لما يقارب العشرين ساعة؛ فالأجواء رمضانية وخالية من الواجبات الدراسية فالأمر يحتمل الكثير من العشوائية. وقامت والدتها بوعدها بالهدايا العينية في حال ساعدتها في مهمتها الإنسانية. وافقت الطفلة وفي بالها أسماء الألعاب التي تشبع بها غريزتها الطفولية.انطلقت كل من الأم وابنتها متوجهتين إلى الأماكن التي هيأها الله سبحانه وتعالى لهما. وبدأت هذه الطفلة بالمساعدة وتقديم السلال الرمضانية؛ فهذا رمضان شهر الخير والناس الطيبون يسلمون عليها ويشكرونها ويدعون لها بكلمات تتناسب وعمرها.فهذا الفريق الثنائي استطاع إتمام مهمته بوقت قياسي، وطاف عليهما وقت الأذان، ولكن ابتسامة الناس كانت كفيلة بأن تروي ظمأهما في ذلك اليوم شديد الحرارة والرطوبة.وفي طريق العودة لم تتفاجأ الأم عندما أرادت طفلتها سؤالها إن كانت لاتزال على وعدها بالنسبة للهدايا، ولكنها أدهشتها عندما قالت لها: السعادة التي حصلت عليها اليوم أكبر بكثير من أي هدية، فأنا لا أريد هدايا!.عندما علمت لاحقاً بما حدث شعرت بحرج كبير من نفسي تجاه ما قامت به هذه الطفلة ورد فعلها، حقيقة فقد أحرجتني نور.. وطفل آخر يأخذ النقود القليلة من حصالته لكي يرسلها للمحتاجين، وآخر يخلع معطفه ويطلب من والده أن يرسله لطفل سوري بلا مأوى رآه على شاشة التلفزيون. فيوجد الكثير والكثير من أطفالنا وشبابنا البحرينيين والعرب هم في عطائهم نور على نور، ويعلمون المعنى الحقيقي للعطاء لأنهم يسعون إلى تطبيقه لا إلى خلق الأعذار وتقديم القليل وإن كانوا لا يملكون سواه.فإن غفلنا عن كل السياسات إلا أننا نفهم جيداً جميع بنود سياسة العطاء والتكافل الاجتماعي، فهذه نتيجة تربيتكم الصالحة التي توارثتموها عن آبائكم وأجدادكم، وفي المقابل كان من السهل نقلها لأطفالكم. لأن هذه السياسة متأصلة في جذورنا فعليها فطمنا وبها نحيا وعليها سنموت.
Opinion
أحرجتني نور!
11 يوليو 2014