نشرت مجلة فوربس مقالاً في عددها الأخير بعنوان «درس الصين التاريخي: حكم القانون قبل حكم الديمقراطية»، طرح المقال تساؤلات أولوية مشروعة تدور حول الأسباب التي تقف وراء نجاح التجربة الصينية، كيف نجحت الصين اقتصادياً رغم أنها دولة لا تدار كالنموذج الغربي المتعارف عليه بالمؤسسات الديمقراطية «تعددية حزبية، برلمانات منتخبة، حكم الأغلبية.. إلخ» وهل يمكن أن ينمو الاقتصاد دون أن يكون مصاحباً للنمو الديمقراطي؟ووصل إلى نتيجة بأنه ليس بالضرورة أن تكون النظم الديمقراطية أو النموذج الديمقراطي سبيلاً وحيداً لتحقيق ذات الأهداف التي تصبو الديمقراطية إليها «العدالة والتنمية والاستدامة وتكافؤ الفرص والنمو الاقتصادي» بل إنه يمكن عبر سيادة القانون أن تتحقق ذات النتائج، حيث يحل القانون والقضاء المستقل، محل المؤسسات الرقابية ويضع قواعد العدالة وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد دونما حاجة أن تتولى هذه المهمة «الأغلبية» عبر برلمان منتخب.كما يؤكد المقال بأنه حتى الدول الديمقراطية ومنها التجربة البريطانية -على سبيل المثال- سبقت فيها سيادة القانون -كآلية رقابية- ظهور المؤسسة الديمقراطية ونمت تلك البيئة القانونية وتطورت وهيأت الأرضية المناسبة التي يلجأ لها المتخاصمون، وساهمت بنقل السلطات تدريجياً من الإقطاع إلى رجال الصناعة وتقليص الصلاحيات الملكية، حتى القرن الثامن عشر منح القضاء حقوقاً وصلاحيات للعديد من الشرائح المستحقة في وقت كانت الأقلية هي التي تحكم بريطانيا، حتى القرن الثامن عشر وعبر الإصلاحات تمت زيادة نسبة من يحق لهم التصويت من 8-16% من البريطانيين!!لقد قبلت كل من الأغلبية «العموم» والأقلية «الملكية والإقطاع» أن يتحقق التغيير عبر التنازل التدريجي، هكذا أفضل ألف مرة من هدم 150 سنة من الهيكلية الدستورية الشرعية، والاثنان ارتضيا بسيادة القانون حكماً بينهما وجسراً انتقالياً للفصل بينهما في حال الاختلاف.الخلاصة أن هذين النموذجين أثباتا أن النقل المفاجئ للسلطة إلى يد «العموم» ليس دائماً هو الحل والنموذج لتحقيق الأهداف، كما إنه ليس بالضرورة أن يقود حكم الأغلبية العمومية للتنمية أو العدالة أو تكافؤ الفرص أو التوزيع العادل للثروات، والنماذج التي فشلت فيها الدول في تحقيق هذه الأهداف رغم أن «عمومها» حصلوا على السلطة أكثر من أن تعد أو تحصى وتتصدر الدول العربية تلك القائمة. في البحرين لدينا مكتسبات مؤسسية عديدة ولدينا اقتصاد واعد ولدينا «دولة» يزيد عمرها عن 200 عام وهذا هو المهم، خاصة في هذه الأيام التي نعيشها حيث تتهاوى الدول وتختفي من على الخارطة، لدينا دولة قائمة بدستورها بنظامها بمؤسساتها بقانونها بسوقها بعلاقاتها الخارجية، ليس بالضرورة أن يكون النموذج الغربي هو ما يناسبها في النهاية لتحقيق أهدافها التنموية والعدالة، نحن متفقون على الأهداف، نريد عدالة وتكافؤ فرص ومحاربة مفسدين ونمواً اقتصادياً مستداماً لا يعتمد على الموارد الطبيعية، إنما أثبتت تجربة الفصول التشريعية الـ3 التي استغرقت 12 عاماً أننا نحتاج إلى أضعافهم لا ضعفهم فحسب، حتى يتمكن العموم من إدارة هذه الدولة وتحقيق تلك الأهداف، خلالها نحتاج إلى سيادة القانون وحكمه، واستقلالية القضاء، ونحتاج إلى نمو المجتمع المدني وتقوية أساسياته وتقليص دور رجال الدين وعزلهم عن الحراك السياسي، ونحتاج إلى تطوير التعليم وتنويع مصادر الدخل وجعل القطاع الخاص هو محرك للاقتصاد، وصحافة حرة بسقف عالٍ.الخلاصة لا تأتي أمريكا أو إيران لتفرض علينا نموذجاً تظن أنه هو الأنسب وهو الأفضل، وتسلط علينا عملاءها لتفرض علينا عراقاً ثانياً، وننساق نحن خلفها خوفاً أو طمعاً في رضاها ونهدم دولة بناها أجدادنا بعمر أطول من عمر الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها!