يريدون دولة ساكنة ساكتة تقف وتتفرج ولا تتحرك ولا تتكلم أبداً، يريدونها «صم بكم»، أما هم فلهم الحق أن يقولوا ما يشاؤون ويكتبوا ما يريدون وأن يسبوا ويشتموا ويلعنوا ويطعنوا ويكذبوا ويفجروا ويحرقوا ويقتلوا، فهذه هي الحرية العامة في نظرهم، كل شيء لهم مشاع وممنوع ومحظور على الدولة، وليس الدولة فحسب؛ بل من يقف ضدهم أو يغالطهم أو يرد عليهم أو يكتب فيهم، فهو بالنسبة لهم مرتزق وبلطجي ومأجور ومحرض يجب على الدولة أن تحاسبه في الحال، كما تُرفع عليه القضايا في المحاكم ويصبح في حكم المجرم الإرهابي الذي تطاول على فئة وازدرى ملة فئة، وهذه هي الديمقراطية في أعينهم، وها هي اليوم نفس الأبواق تتحرك وتبدأ في العويل والضجيج عندما قامت الدولة بالقبض على المدعو نبيل رجب، وهو الذي جاب دول العالم ينشر الإشاعات ويعقد الصفقات ويطعن في مصداقية الدولة ونظامها ومؤسساتها، ثم تطالب الجمعيات التي تسمي نفسها القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة بإطلاق سراحه فوراً بدعوى أنه المناضل الحقوقي، وأن آراءه قد أباحها الدستور والمواثيق الدولية، وأن ما تم اعتقال وتعسفي وغيرها من مصطلحات اعتدنا على سماعها كلما تم القبض على أحد من قادة الإرهاب والمؤامرات.نسأل هنا عن الآراء التي سمح بها الدستور والمواثيق الدولية، فهل أجاز السب والشتم واللعن والطعن؟ هل هناك عبارة في الدستور تقول بأنه يحق للمواطن أو أي فرد في المجتمع أن يتطاول على نظامه ويتآمر عليه ويحق له السفر للخارج للقاء مؤسسات ومنظمات ليحرضها على بلاده؟ هل يحق لأي شخص أن يشكك في مؤسسات الدولة ويطعن في مسؤوليها؟ هل تسمح المواثيق الدولية أن يخرج مواطن على قنوات فضائية يهاجم بلاده ويشيع عنها الأكاذيب؟ وأين مكانة الدولة في المواثيق الدولية التي تزيح دولة بنظامها ومؤسساتها وشعبها وتقدم عليها حرية عصابة من أشخاص يحرضون عليها بحرية ليس لها حدود؟ كيف بعدها تستقر دولة ويحكم نظام؟ وكيف تستطيع مؤسساتها أن تفرض الأمن؟نعود إلى نبيل رجب؛ فإذا كان ما يقوم به يدخل في حرية الآراء فكيف تسميه الجمعيات المعارضة مناضلاً؟ أليس النضال هو التصدي للدولة؟ أليس النضال هو الجهاد؟ أليس الجهاد هو ما يسميه المجتمع الدولي إرهاباً؟ أم أنه في البحرين حرية رأي ومطالبة بحقوق وفي العراق وسوريا واليمن إرهاب يستحق صاحبه القتل؟ ألم يحارب المجتمع الدولي «داعش» لأنها تشكل خطراً إرهابياً؟ أم أن من يحاول تقويض الدولة في البحرين وسلب الحكم هو إرهاب يسمح به المجتمع الدولي مثلما سمح لإرهاب حزب الله وإرهاب الحكومة العراقية والإيرانية وإرهاب النظام السوري، والذي تتجاوزه صواريخ وقنابل التحالف الدولي.نأتي إلى ما جاء في بيان ما يسمى القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة وقولها إن اعتقال نبيل رجب هو اعتقال تعسفي وجزء من سياسة مصادرة الحريات العامة وفرض الرأي الواحد على المجتمع. نقول لهم؛ هل يحق لنبيل رجب أو هذه القوى أن تفرض رأيها على شعب البحرين بأكمله؟ وذلك حين يسمح لنبيل رجب أن يشتم ويتطاول على النظام ومؤسساته مقابل شعب يدافع عن نظامه بروحه ودمه؟ أليس هذا تعدياً على حقوق المجتمع الذي ارتضى حكم آل خليفة؟ ألم ترَ هذه الجمعيات أن رأي وأفعال نبيل رجب مرفوضة من أغلبية الشعب؟ إذاً هنا يأتي حق الدولة وحق الشعب الذي سلب حريته نبيل رجب وجعلها فقط في شخصه، وهذا هو فرض الرأي الواحد، وهذا هو بعينه مصادرة الحريات العامة. على هذه الجمعيات التي تسعى لإسقاط النظام أن تضع في حسابها أن شعب البحرين يرفضها كما يرفض نبيل رجب، وأن هذا الشعب هو من يقول كلمته وعليها أن تسمعها وأن ينصت إليها نبيل رجب، لأن الشعب أمة وهو لا يعدو شخصاً واحداً، وأما هذه الجمعيات فمجرد عدد من أشخاص يذوب وجودهم في مجتمع يلتف حول قيادته من المحرق إلى الرفاع وفي كل منطقة في البحرين.وأيضاً في بيان هذه الجمعيات أن الدولة أطلقت العنان للإعلام الرسمي والصحافة المحلية المحسوبة عليه لممارسة التشهير في المعارضة السياسية وقمع الأصوات الشريفة، فنقول لهم وهل التشهير في النظام والطعن في الدولة في المحافل الدولية غزل ومدح؟ أم أن المعارضة السياسية أصبحت هي الدولة ولا يحق لأحد أن يلمزها بكلمة ولا يتحدث عنها بحرف؟ فأين هذه الحرية التي تدعونها، في الوقت الذي تسمون الدفاع عن الدولة تشهيراً وتحريضاً، فيما التخطيط والمؤامرات الانقلابية حق ضمنه الدستور والمواثيق الدولية!