ظاهرة جديدة على مجتمعنا انتشرت خلال هذه الفترة من المعترك الانتخابي في مملكة البحرين، وتبرز بشدة على السطح في الدوائر الانتخابية، خاصة تلك التي تضم في تركيبتها السكانية الفئات المتواضعة التعليم والبسطاء من الناس.هذه الظاهرة يطلق عليها مصطلح فكاهي (...) انتشر بين عموم الناس، وهو يطلق على الشخص الذي يسهل انقياده وتنفيذه للأوامر دون تفكير أو رأي وصرفه لكل ما في جيبه لأجل نيل رضا محبوبه. الوجوه الانتخابية المتقدمة للترشيح، ومع احتراماتي الشديدة للجميع، ونحن نتكلم عن فئة منهم يصلح إطلاق هذا اللقب عليهم مع المرتبة الأولى، فهناك مترشحون يعتبرون «فل اوبشن» حقاً، فمن الظواهر الغريبة الملاحظة اهتمام المترشح بخيمته الانتخابية وتزيينها وصرف المبالغ الفلكية على دعوات العشاء و«البوفيهات» مقابل عدم تسخير كل هذه الجهود والإمكانيات على برنامجه الانتخابي أو النزول ميدانياً وعمل مسوحات ميدانية من قبل فريق عمله للتعرف على أدق التفاصيل المتعلقة بمشاكل واحتياجات الدائرة، حتى يظهر أمام الناخبين بصورة تعكس إمكانياته، ومدى إلمامه بحيثيات المسؤولية التي سيتولاها لاحقاً، لذا فلم يكن مستغرباً عندما تداول الناس طرفه «مو بصوتك تقدر.. إنما بعشاك تقدر!». من الظواهر المضحكة في ظل هذا المشهد الحاصل الناخب «الجوال»، وهم فئة لا يستهان بها حقاً ونجدها مشغولة هذه الفترة بالتجول بين الخيام و«مواعد أصدقائهم» على اللقاء في خيمة المرشح «الليلة يلستنا في خيمة المرشح فلان.. بنروح حق الثاني.. لأنه خيمته أكشخ وواضح أنه فلوسه زايدة»، هذا الناخب يكون من أهالي المنطقة حقاً، و«يتميلس» ويواظب على الحضور والتنقل بين الخيام الانتخابية التي مرشحينها يرونه في الأحياء والطرقات ومساجد المنطقة ويعلمون أنه من سكانها، وبالمقابل هو يقبل الاستفادة من كل ما يصرفه المرشح، حتى من توزيع الوجبات الغذائية في «الفريج»، فيما عنوان منزله هو وأسرته في دائرة أخرى، وبالنهاية التصويت يكون في جيب مترشح أخر بعيد عن منطقته «ولا من شاف ولا من درى!».إحدى المواطنات قبل فترة تفاجأت بتوزيع ثلاجات ومكيفات في دائرتها الانتخابية، المعروف أن معظم الأهالي فيها من الناس البسطاء، فهناك من باع ضميره ودينه وقبل بـ«رشوة» الناس لأجل كرسي زائل لن يدوم أكثر من أربع سنوات، وراتب سيتبدد ويتلاشى يوم الحساب، فقالت بعفوية: «شله انزين ما عطاني؟»، فللاسف هناك فئات معينة أمام الحاجة المادية تغريها هبات المرشح، فتقبل بالمكافئات المالية التي تصرف لها ولا تفكر أن هذه المكافأة حتى وإن وصلت إلى ما قيمته 500 دينار في أحسن الأحوال ومكيف وثلاجة وخدمات أخرى، كل ذلك لا شيء أمام ما سيحصل عليه المترشح الذي ستوصله، والذي سيظل يستفيد من كل هذه الأصوات المرتشية، فهو كمن يستثمر ويصرف مبلغاً من المال ويبذله وهو يدري أن المبلغ العائد له سيكون أضعافاً مضاعفه ما صرفه، وأن خسارته المالية على الناخبين ستعوض في أقل من سنة، فيما المتضرر بالأول والأخير أهالي الدائرة ومصلحة الوطن ككل.بالمقابل هناك البعض في صفوف الناخبين لا تفكر و«لا تشغل مخها»؛ إنما تنقاد بسهولة وراء المترشحين، لدرجة أن البعض يعلق «موسم الانتخابات موسم الحب بين فرق العمل من الشباب والبنات، وهناك من تأتي لأجل فقط التواصل والعمل ضمن فريق العمل الذي بعضه من الرجال والعكس وتحب هذه الأجواء المختلطة التي تجعلها تمشي حالها!»، نستحضر في ذلك مشهد طريف جرى في انتخابات 2010 حينما تقدم احد النواب «الكشخه والهاي كلاس» للترشح في أحد الدوائر فاصطفت الفتيات في خيمته الانتخابية للعمل وتزاحمن لدرجة أن «ثلاثه أرباع» فريقه الانتخابي بالأصل كن من النساء لا الرجال، وفي استفتاء أجرى اكتشف أن معظم من صوتن له من النساء كانت أسبابهن تختصر في عبارة «صوتنا للمترشح الأنيق والوسيم! على الأقل نائب منطقتنا يكون كشخة»، فيما بعض أهالي دائرته الذين صوتوا بالمقابل لمترشحين آخرين كانت بعض تعليقاتهم «ناس متخرعه بجد!». في الختام نعتقد أن المترشح ذا الكفاءة والقوي والمتمكن لن يحتاج وهو متجه للترشح إلى «رمي الينون والنقوط» ومسيرة سيارات، فقط لأنه تقدم للترشيح، كما لن يحتاج في خيمته الانتخابية إلى كل ما نراه من بهرجه وأغاني واستعراضات ومهرجانات عائلية وللأطفال وصرف مبالغ فلكية في إطعام أهالي دائرته والتسبب بخسارة «مطاعم وكافتيريات المنطقة التي لن يشتري منها أحد طيلة الأسبوع»، والقيام بحركات ليس لها داع ولا تساهم في توعية الناس أو تثقيفهم بشأن الحقوق السياسية التي سيمتلكونها يوم التصويت لترسم ملامح مجلسهم البرلماني القادم، فالمترشح المتمكن سيحتاج فقط إلى برنامج انتخابي قوي وأداء أقوى في استعراضه ومناقشته، وبيان مدى إلمامه به وتواصله مع الناس وتناوله قضايا وهموم الأهالي التي تندرج ضمن فئة على الجرح تماماً.وعلى الناخبين أن يوسعوا مداركهم وأن يركنوا «العاطفة» جانباً في مسالة التعاطي مع المترشحين، وأن يبتعدوا عن عبارات من نوع «مسكين حليو.. يتواصل معانا ويساعدنا»، «ما قصر معانا سخي وكريم ويوزع على أهالي المنطقة»، وأن يهتموا بأن يكون قرار تصويتهم يأتي على قناعة أن المترشح المختار هو فعلاً الاكفأ والأحسن وأنه «بإمكانياته ومؤهلاته يقدر!».