لكل جيل من الأجيال العربية آلامه وهمومه وأوهامه، ولأن العرب وصلوا إلى مراحل متقدمة من الوهن المخيف، كان هذا العصر بالنسبة إليهم عصر الضعفاء، وفوق كل هذا الضعف استشرى الوهم بينهم بطريقة لم يدركوا حتى هذه اللحظة بأنهم يعيشون أقبح لحظاته القاتلة.جميلة هي الحرية، وثمينة هي الكرامة، لكن ليست الحرية التي دخلت علينا من بوابة الربيع العربي، وليست الكرامة التي لم نساهم حتى في صناعة قواعدها الإنسانية، بل هي التغييرات التي جاءتنا جاهزة مع رياح التغيير التي فرضها الغرب على شعوبنا، بالطريقة التي تحفظ مصالحه وتقضي على بصيص كل أمل لحماية مصالحنا.إن انجرار بعض الشعوب العربية خلف ما سميّ بحراك الربيع العربي، أدخلها في دوامة سياسية مجهولة، وزجها في عواصف وصراعات دموية قاسية، والنتيجة كانت ضياع تلك الشعوب وضياع أوطانهم في غمضة عين، لأنهم استعجلوا الثورات واستعجلوا معها النتائج أيضاً.ضع أصبعك على أية دولة من دول الربيع العربي ستجد أن الخراب والدمار الشاملين هما عناوين المرحلة التي تعيشها تلك الشعوب، وهما معاً، شعار عواصمها، فلم تنجُ أوطانهم من الفوضى المخيفة ولم تتحق أدنى مراتب أحلامهم بقدر ما استبانت مدى بشاعة أوهامهم.سقط مجموعة من رؤساء الدول العربية، وها هو بعضهم يقدم للمحاكمة، وبعضهم الآخر تم سحله في الشوارع وقتله، بينما البعض ترك وطنه تاركاً لأبناء جلدته تقرير مصيرهم بأيديهم، وقس على ذلك حال بعض الدول العربية التي دخلها فيروس الربيع العربي، التي لم ولن تنجو من كوارث ستظل لعناتها تلاحق شعوبها حتى عشرات السنين القادمة!بالله عليكم؛ هل ما يحدث في ليبيا على سبيل المثال هي ثورة شعبية حقيقية صادقة هدفها نشر وتأسيس مبدأ الديمقراطية في أرجائها؟ هل الاحتراب الدموي الحاصل كل يوم في عاصمتها ومدنها بين كافة الفصائل الليبية المتقاتلة هو من أجل تكوين دولة تقوم على التنمية واحترام المواطنة وتقديم الكفاءات وتعزيز مفاهيم الدولة المدنية؟ أترك لكم الإجابة على هذا السؤال الأليم.هل ما يحدث اليوم في مصر واليمن وسوريا والعراق وغيرها من الدول العربية هو ربيع سياسي بالفعل؟ أم هو «خريف» غضب استوردناه بكل مآسيه وتفاصيله المخزية من عواصم لم تشهد شوارعها طلقة رصاصة طائشة؟ لكنها الحرب الكونية غير المعلنة من طرف الغرب ضد كل الدول العربية وضد شعوبها، ومع الأسف الشديد بمشاركة تلك الشعوب، فكان للمستعمرين ما أرادوا وتحققت أمنياتهم بأيدينا.عنف وإرهاب وبطش وسيل دماء وتقطيع أوصال ومفخخات وقتل وتفجيرات وسرقة نفط وتخريب كل مظهر من مظاهر الدولة المدنية، هل هذا هو المشهد الذي خرجت بعض الشعوب العربية من أجل أن تراه كل دقيقة في نشرات الأخبار والموت؟ هل من أجل هذه الفوضى الساقطة، صفقت بعض الشعوب العربية لواقعها الأحمر، حتى كذبت وصدقت كذبتها، وأنها تسير من أجل تصحيح الأوضاع السياسية القلقة في أوطانها قبل ما يسمى بالربيع العربي، فجاءت بربيع أحمر اللون عابس الملامح؟لا والله؛ إنها سياسة «نهاية العالم» كما أشار إليها الخبير الاستراتيجي الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه القديم الجديد «نهاية التاريخ»، وهي المرحلة الأولى من تدمير أوطانكم أيها العرب، في ربيع لا يستحق أن يكون فصلاً من فصول ضياعكم، فاستيقظوا من وهم خرافتكم قبل ضياع ما تبقى من أوطانكم، أما قادم الأيام فإن علمها عند ربي.