المحاولات الأخيرة اليائسة نحو إرهاب المواطنين على ممارسة حقوقهم الدستورية في الانتخابات المقبلة لا ينبغي السكوت عنها؛ بل يجب الوقوف احتراماً وتقديراً لكل من واجه هذه الدعوات بشجاعة وإصرار ومسؤولية وطنية. إلى وقت قريب كانت المؤسسة الدينية لتيار ولاية الفقيه والجمعيات السياسية التابعة لها تعتقد أنها تسيطر على الجماهير وهي التي تتحكم في اتجاهاتهم ومصالحهم وحتى سلوكهم السياسي، ولذلك انصدمت كثيراً عندما شاهدت المئات يخالفون قرارها ويتحدون موقفها ويعلنون ترشحهم. جن جنونها، فقررت ممارسة الإرهاب ضد من ترشح وكانت تعتقده من جماهيرها، وتكررت الصدمة مرة أخرى، فالإصرار زاد على المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، ولم يكترث لها أحد. المترشحون الشيعة المتعدلين يستحقون كل تقدير واحترام من جميع المواطنين سنة وشيعة، فهؤلاء أثبتوا للوفاق والمؤسسة الدينية التي تتبعها أنهم لا يؤيدون أجندتها السياسية، ولا يؤيدون مرجعيتها السياسية المنتشرة بين إيران والعراق، هؤلاء لا انتماء لهم سوى انتماءهم للبحرين الأرض، والبحرين الهوية، والبحرين التاريخ، والبحرين المستقبل، هؤلاء شركاء في الوطن لا يمكن تجاوزهم، كما لا يمكن تجاوز أي مكوّن آخر في المجتمع. البعض تم التغرير به وتحولت أفكاره من أفكار معتدلة إلى أفكار راديكالية، فأصبح التنظيم يقدم له رؤيته السياسية، وأصبح التنظيم يحدد سلوكه، وأصبح التنظيم يحدد مساراته المستقبلية، وهو مسلوب الإرادة السياسية وحتى الفكرية. هؤلاء لابد أن لهم من مراجعة فكرية جماعية، فلسنا بحاجة إلى مكونات متطرفة أو راديكالية في المجتمع سواءً كانت سنية أو شيعية وغيرها، فمجتمعنا تعددي، ويجب المحافظة عليه بهذه التركيبة مع تعددية معتدلة وليست تعددية متطرفة أو راديكالية. أمامنا اليوم فرصة تاريخية لتعديل مسارات أي جماعة متطرفة، وكذلك الحال بالنسبة للشيعة الراديكاليين، فلدينا اليوم مئات المترشحين الشيعة المعتدلين، ووراءهم مئات الآلاف من المواطنين المعتدلين، ولا يمكن تجاهل هذه الحقائق فبينهم وبين جميع مكونات المجتمع شراكة المواطنة، ومسؤولية مشتركة لبناء الدولة البحرينية. بالإضافة إلى ذلك، فإن أزمة الثقة السياسية منذ 3 سنوات لابد أن تتراجع تدريجياً، ويمكن للجميع ملاحظة ما حدث خلال هذه السنوات من قطيعة وإقصاء إلى عودة فكرة تقبل الآخر وصولاً إلى حقيقة إلزامية التعايش المشترك. وهذه العملية ليست إجبارية، ولم تبذل جهود كبيرة لتطبيع العلاقات بين مكونات المجتمع، بل جاءت العملية تلقائية وبشكل هادئ لأن فكرة التعايش موجودة دائماً في المجتمعات الجزرية التي تتسم بالتعددية. الانتخابات التشريعية والبلدية بعد أيام، والمسؤولية الوطنية تدفعنا لانتخاب جميع الشخصيات المعتدلة من المترشحين من سنة وشيعة وغيرهم، فزمن التطرف انتهى ولابد من محاربة عودته.