توجيه مجلس الوزراء «بضرورة مراعاة التيسير على الأسر والمواطنين ممن تراكمت عليهم متأخرات رسوم الكهرباء والماء في سدادها وإيجاد آلية تكفل عدم إثقال كاهلهم وتضمن في الوقت ذاته حقوق هيئة الكهرباء والماء في هذه المستحقات، وطلب من وزير الدولة لشؤون الكهرباء والماء برفع تقرير عاجل بهذا الخصوص يتضمن حصر المعسرين في سداد فواتير الكهرباء والماء». هذا التوجيه يتضمن أولاً ضرورة التيسير، وإيجاد آلية تضمن عدم اثقال كاهلهم، وثانياً تضمن حقوق هيئة الكهرباء، وثالثاً إعداد تقرير بحصر المعسرين في السداد. ما تطرق إليه مجلس الوزراء في هذا الشأن هو النتيجة وليس السبب، وبالتالي فهو ترك جانباً من المشكلة، ولم يكن شفافاً في التطرق إلى الجوانب المختلفة لهذه المشكلة. وبعبارة أخرى فإن توجيه المجلس جاء استجابة لاستغاثة المواطنين من قطع التيار الكهربائي عن منازلهم بعد عدم وصولهم إلى تسوية مع الهيئة حول المبالغ المتراكمة عليهم منذ سنوات، فمن ناحية أصبحت هذه المبالغ كبيرة جداً وثقيلة جداً حتى لو تم تقسيطها على عامين إلى جانب دفع الفاتورة الشهرية العادية، ومن ناحية ثانية أن الامتناع عن الدفع هو خيار عام وشبه وشامل للمواطنين كرد فعل لتلك المكرمة التي ألغت مئات الآلاف من الدنانير على متأخرين عن السداد صنفوا في عداد الأغنياء والمقتدرين، ولم تعوض المواطنين العاديين والملتزمين بالدفع. إن مجلس الوزراء الموقر يعلم تماماً بأصل المشكلة التي حدثت منذ حوالي 9 سنوات «على ما أظن»، وإنها حدثت لا بسبب العسر في السداد، ولكن لسببين: أولهما التأكيد على امتعاضهم مما حدث، وترتب على تلك المكرمة، وثانيهما هو توقع صدور مكرمة أخرى مماثلة تلغي الديون المتراكمة على الجميع مقتدرين وغير مقتدرين وبالتالي يعوضون هذه المرة ما خسروه في المرة السابقة. وانطلاقاً من هذا الفهم لمشكلة تراكم مبالغ فواتير الكهرباء على المواطنين أصحاب السكن الخاص، فإن المطلوب من الحكومة ممثلة في هيئة الكهرباء والماء أن تبلغ مجلس الوزراء وتطلع المواطنين بشفافية متناهية على حجم المتأخرات المستحقة لها والتي يصل مجموعها إلى 80 مليون دينار، على أن تتضمن هذه الشفافية تحديد المبالغ المستحقة على الوزارات والوزراء، وتبين منذ متى هذا التراكم، وما دفع منها وما لم يدفع منذ صدرت توجيهات مجلس الوزراء بضرورة دفعها. كما تتضمن هذه الشفافية ذكر المبالغ المتراكمة على الشركات والمؤسسات والهيئات التابعة للدولة بصورة كلية أو جزئية، ومن ثم على الأغنياء والمقتدرين، وما تم بشأن سدادها حتى الآن، وما هي الإجراءات التي ستتخذها الهيئة مستقبلاً لضمان سداد هذه المبالغ. فكلما كانت هذه المعلومات إيجابية، وأن الجهات المسؤولة في الحكومة، والأشخاص الأغنياء الذين يستهلكون من الكهرباء والماء أضعاف ما يستهلكه المواطنون العاديون، هؤلاء وأولئك دفعوا ما عليهم، فإن هذا سيطمئن المواطنين العاديين من أن مكرمة أخرى لن تصدر في الأيام القادمة لتشمل المستحقين وغير المستحقين لها، كما إن هذه الشفافية ستشجع الجميع على التعاون مع هيئة الكهرباء لتسديد فواتيرهم المتأخرة والجديدة. واستكمالاً لهذا الفهم للمشكلة أيضاً فإن تجاهل الحكومة للمشكلة طوال السنوات الماضية وعدم مبادرتها إلى إيجاد حل سريع وعادل وشفاف لها في السنة التالية لها على الأكثر، قد جعلها أكثر تعقيداً، وجعل العسر يشمل شريحة واسعة من الممتنعين أولاً عن الدفع، وسنة بعد أخرى أصبحوا عاجزين عنه، أو أصبح ثقيلاً عليهم. ومن هنا فإن الحكومة بعد فرز الفئات المختلفة المطالبة بالسداد، وتحديد الفئات العاجزة عن الدفع أو التي يثقل عليها المتراكم والجديد من المبالغ، فإنها -أي الحكومة- بحاجة إلى تقديم مبادرة لحلحلة المشكلة من ناحية، وتسهيل عملية الدفع من ناحية أخرى، تقوم على إسقاط نسبة معينة من المبالغ المتأخرة والمتراكمة على العاجزين والمثقل عليهم، أسوة لما يحدث لقروض الإسكان. بعدها ستحدث الطمأنينة، والتشجيع على الدفع والتسوية، والتي يمكن أن تؤدي إلى تقسيط الباقي من المبالغ المتراكمة على عامين أو ثلاثة، فمثل هذا الحل يجعل كل الأطراف تتحمل التضحية، وتجعل الهيئة تسترد نصف حقوقها على الأقل، و«صاحب النصيفة سالم».