لم يكن موعد الزيارة الملكية لصاحب الجلالة إلى فرنسا موعداً خارج سياق الأحداث التاريخية التي يمر بها العالم، خصوصاً المنطقة العربية، والتي تصاعدت فيها الأحداث الإرهابية مهددة بمزيد من الفوضى والدمار.فقد كانت الزيارة الملكية في ذات اليوم الذي دعا فيه الرئيس الفرنسي أمام المؤتمر السنوي العام للسفراء الفرنسيين في الخارج، لتشكيل حلف دولي لمحاربة الإرهاب والتطرف الذي بدأ يجتاح العالم بشكل غير مسبوق، مؤكداً رفض بلاده التام التعامل مع القوى المتشددة والداعمة للإرهاب، وحدد على وجه الخصوص النظامين السوري والإيراني. فرنسا كما البحرين عانت من موجات إرهابية، ابتداءً مما يسمى بحقبة حكم الإرهاب وأعنفها تلك الأحداث الدامية بين عامي 1793 - 1794 حيث تم إعدام ما يزيد عن 40 ألف فرنسي، ومن بينهم عدد من زعماء الثورة الفرنسية آنذاك مثل جورج دانتون. وانتهاءً بتفجيرات مترو باريس الشهيرة عام 1995.الزيارة الملكية إلى فرنسا حملت عدداً من العناوين الرئيسة، حيث تلاقت وجهات النظر بين المنامة وباريس، يشاركهما في ذلك كثير من عواصم العالم والمنطقة، على ضرورة العمل وبسرعة لتشكيل تحالف دولي مهمته مواجهة الإرهاب والقضاء عليه، والحد من المصادر الممولة له مادياً ومعنوياً وإعلامياً. المنامة التي عانت من الإرهاب، ولاتزال، كانت الأكثر قدرة على تشخيص الوضع القائم، والأقدر على نقل حقيقة المعاناة التي يخلفها الإرهاب والتطرف، سواء من قبل المجموعات المنظمة أو الأفراد، ولذلك فقد اهتم الرئيس الفرنسي -ومن خلفه العالم- بالتشخيص البحريني للحالة القائمة، والذي توفر على معطيات كثيرة يمكن أن تساهم في سرعة إقامة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف.تذهب الرؤية البحرينية في تشخيص الحالة إلى أبعد من محاربة مجموعة محددة، فالإرهاب سواء أكان من دول أو أفراد أو مجموعات منظمة، هو حالة عامة تجب محاربتها من خلال حرب شاملة، بغض النظر عن الدين أو المعتقد أو الطائفة، فلا يمكن استثناء إرهاب دولة مثل إسرائيل وإيران والنظام السوري، ولا يمكن استثناء دور جماعات إرهابية شيعية راديكالية مثل حزب الله وميليشيات بدر والعصائب والمهدي في العراق، ولا يمكن استثناء جماعات أقل قدرة وتسليحاً مثل الجماعات الراديكالية في البحرين.نظرة البحرين تنطلق من أن الإرهاب لا ملة له، وأن التوصيف يجب أن يطال الفعل المجرم وليس الخلفية الدينية والمذهبية والعرقية، وأن القيام بعمل إرهابي يكفي لوضع الفاعل والمحرض والممول والمشجع المهلل في خانة الإرهاب الذي لا دين له ولا ملة.فمن الغريب أن يتعامل العالم مع الجماعات السنيـة المتطرفة التي تقاتل ضد النظام في سوريا على أنها جماعات إرهابية، في ما لا يرى غضاضة في مشاركة ميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية واليمنية في ذات الحرب، وهو ما يصب في نهاية المطاف إلى أن تكون تدريباً واكتساباً للخبرات في أعمال إرهابية لاحقاً في دولهم، وهو ما كان واضحاً في حرفية الجماعات الراديكالية في البحرين والحوثيين في اليمن.الرسالة البحرينية إلى العالم واضحة، الإرهاب والتطرف حول العالم يحمل ذات الصفات والأسس، لذلك فإن محاربته يجب أن تكون عامة وشاملة تساهم في اقتلاع جذوره بكل الطرق، ومن ثم خلق مجتمعات قادرة على البناء والتقدم وتساهم في رفد الحضارة العالمية بمفاهيم حقيقية عن التسامح والحوار وتقبل الآخر والعيش المشترك.