ليس كلاماً في الهواء وليس نكتة ولكنها الحقيقة؛ حيث من المؤكد أن يفشل 256 مترشحاً للمجلس النيابي في الوصول إلى مقاعده، والسبب هو أن المقاعد لن تستوعب الـ 296 مترشحاً، فعددها أربعون مقعداً فقط، هذا يعني أن جهود وأموال كل هذا العدد الذي لن يحالفه الحظ في الوصول إلى المجلس النيابي ستطير في الهواء.بالتأكيد يمكن قراءة ترشح هذا العدد الكبير للانتخابات النيابية من زاويتين؛ الأولى إيجابية والثانية سلبية، أما الإيجابية فهي أن الترشح هنا جاء بمثابة تعبير قوي عن رفض دعوات المقاطعة والسعي إلى تصفير الصناديق والموقف السالب من الجمعيات «السياسية» التي من الواضح أنها تعتمد في قراراتها على ردود الفعل ولا تنظر إلى المستقبل وإلى المصلحة الحقيقية للوطن، وأما السلبية في الموضوع فهي أن معظم المترشحين ليسوا معروفين اجتماعياً وليس لديهم ما يقنع من أعمال سابقة تدفع المواطن إلى تفضيل بعضهم على الآخرين، كما أن أكثرهم من غير المتخصصين في المجالات التي يحتاجها المجلس مثل رجال الأعمال والقانونيين والمهندسين وغيرهم من ذوي التخصصات المهمة، حيث مهمة مجلس النواب تنحصر في أمرين؛ التشريع والرقابة، تشريع القوانين التي تنظم الحياة والعلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض وبينهم وبين الدولة، ورقابة أداء الحكومة ومحاسبتها والتأكد من وجوه صرف الأموال منعاً للفساد، فهذه المهام لن يتمكن منها سوى المتخصصين، أما غير المتخصصين وإن كانوا يمتلكون القدرات الكلامية فإنهم لن يفيدوا المجلس وبالتالي لن يفيدوا المواطن.من هنا صار لزاماً على الناخب أن ينتبه جيداً وألا يختار إلا من يتأكد من أنه كفاءة ويعتقد أنه سيفيد، لا أن يختار انطلاقاً من صداقة أو نسب أو كلام يبيعه المترشحون بذكاء، فكثير من الشعارات التي يرفعها هؤلاء لن يتمكنوا من ترجمتها على أرض الواقع، وكثير من الوعود التي يعدون بها الناخبين لن يتمكنوا من تحقيقها لأن العمل في مجلس النواب له آليات معينة لا تسمح للنائب أن يفرض رأيه أو توجهه أو رغباته. بين المترشحين من يعرف جيداً أنه لن يفوز ولكنه اعتبر الأمر فرصة لتلميع نفسه والبروز في المجتمع، ومنهم من يعرف أنه لن يفوز لأنه لا يمتلك ما يمتلكه مرشحون آخرون من كفاءة وقدرات وخبرات وتجارب ولكنه رشح نفسه لعله يظفر بصفقة فينسحب مقابل مبلغ من المال يحصل عليه من منافسيه، ومنهم من اعتبر الأمر فرصة للحصول على وظيفة توفر «البرستيج» وراتباً جيداً وسيارة وجوازاً دبلوماسياً وحصانة ومكانة اجتماعية، ومنهم من رأى أن يختبر حظه فلعل الحظ يخدمه.ولكن مقابل هذه النوعيات من المترشحين يوجد دونما شك من هو كفاءة ويبشر بالخير وتقدم للترشح بغية المشاركة في خدمة الوطن والمواطن، سواءً كان مستقلاً أو يمثل جمعية سياسية أو مؤسسات أخرى مثل غرفة التجارة والصناعة. هذا يعني أن الناخب أمام امتحان صعب، لكن من المهم أن يعلم أنه بانحيازه لمرشح معين لأسباب عائلية أو قبلية أو سياسية أو صداقة سيسهم في إنتاج مجلس نيابي سيكون هو المتضرر الأول منه، ذلك أن وصول من هم دون القدرة على العطاء إلى هذا المجلس يعني أنه سيكون مجلساً ضعيفاً ولن يتمكن لا من التشريع ولا من الرقابة ولا من خدمة الوطن ولا المواطن، وسيكون فرصة لمن لا يريد الخير للبحرين كي يعبر عما يشغل باله بطريقته فيرصد كل الأخطاء والسلبيات ليستفيد منها في الطعن والاستهزاء بالمجلس وبمناقشاته. مهم أن يشارك الجميع في الانتخابات، ولكن مهم أيضاً أن يتحلى الناخب بالوعي الذي يعينه على اختيار الأربعين عضوا من بين الـ 296 مرشحاً.