تعلمنا ونحن صغار في الصف الأول والثاني ابتدائي وما بعدهما ألا نكتفي بما نأخذه في المدارس النظامية من دروس، بقدر ما يجب علينا أن نتعلم شيئاً من قراءة القرآن، خاصة وأن الفترة الصيفية تمتد إلى أكثر من ثلاثة أشهر، وبدلاً من التسكع في الشوارع وعلى ساحل البحر، أو الركض في المقابر لاصطياد الطيور، كان الأهل يرون ضرورة إدخالنا إلى المطوع «الكتاتيب» وما كنا نمتنع لأننا حقاً نريد أن نتعلم القرآن ونحفظه. من هنا كنا نسمع من الأب أو الأم، حين يوجه الحديث يوجه إلى المطوّع «أخذه لحم ورده لنا عظم»، بمعنى أننا نريد أن يتعلم طفلنا التربية، وإذا ما خرج عن الطريق القويم ما عليك أيها المطوّع إلا أن تقوم بدورك باستخدام العصا وضربه بها من أجل تقويم سلوكه، ولن تجد منا أي تذمر أو شكوى أو عتاب.هذه الرغبة الصادقة من الأهل في تعليم وتربية ابنهم، هي التي أدت بأن يكون خريج المطوّع في تلك الفترة لا يقوم بحفظ وقراءة القرآن وختمه؛ إنما أيضاً بتعلم السلوك الجيد الذي يجعله محترماً لنفسه والآخرين، وقد كنا نحاول ألا نسيء الأدب في وقت الحصة وفي الخارج أيضاً، فإذا رأينا المطوّع ماراً في طريقنا نبدأ بالابتعاد حتى لا يشاهدنا.قبل فترة قرأت في إحدى رسائل «الوتساب» التي تصلني من الأصدقاء حكاية جميلة عن التربية، استوقفتني وجعلتني أعمل على نشرها من أجل الاستفادة مما تطرحه من قضية تربوية سليمة، قَل أن نشاهد مثلها في أيامنا هذه.. يقول مدير ثانوية توجهت للمدرسة وإذا بي أتفاجأ بكتابة وتشويهات بالبخاخ على السور الخارجي للمدرسة، وبعد التحري وحصر المتغيبين في ذلك اليوم تم معرفة الفاعل «طالب في الصف الثالث ثانوي»، تم التواصل مع ولي أمر الطالب، وبعد حضوره ومشاهدته للكتابة على سور المدرسة ومناقشة المشكلة معه، طلب -وبكل هدوء- حضور ابنه وسمع اعترافه بهذا العمل، فأخرج الجوال واتصل على دهّان وطلب منه الحضور للمدرسة بعد تحديد موقعها واتفق معه على إعادة دهان الجدار بنفس اللون ليعود أفضل مما كان، ثم التفت لابنه وقال له بكل بهدوء: «يا ولدي إذا ما ترفع رأسي لا توطّيه»، ثم استأذن وانصرف.يقول المدير: نظرت إلى الطالب وإذا هو واضع كفيه على وجهه ويبكي، وأنا والمرشد الطلابي في قمة الذهول من أسلوب هذا الوالد وأثر هذا الأسلوب على ولده!فقال الطالب لنا وهو يبكي: يا ليت أبوي ضربني ولا قال لي هالكلام.ثم اعتذر الطالب وأبدى ندمه على ما قام به، وبعدها صار من خيرة طلاب المدرسة.المربي الناجح هو من يستثمر «الخطأ والمشكلة» لتعديل وتقويم السلوك، فالخطأ طريق الصواب والعقاب ليس هدفاً، الهدف علاج المشكلة والخروج بنتائج إيجابية. وأرى شخصياً أن هذا الأب المحترم يعرف جيداً كيف يربي طفله، كان بإمكانه أن يضربه ويعاتبه، إلا أنه استخدم أفضل الوسائل، وهي وسيلة التربية الصحيحة، هل لنا أن نستفيد من هذا الوالد الصالح.