لم تتبدل أجندة التغيير السياسي الأمريكية طوال الفترة الماضية، سواءً كانت على مستوى مؤسسات الإدارة الأمريكية، أو على مستوى الشخصيات القيادية في واشنطن، أو على صعيد استراتيجيات السياسة الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط تحديداً وهي ليست بجديدة، ولا يبدو أنها ستتغيّر على المدى المنظور. فريدريك وليام أنجدال خبير الشؤون السياسية الأمريكية كشف مؤخراً جانباً هاماً مما يسمى بـ«الربيع العربي» الذي أكد أنه بدأ قبل الثورات العربية الأخيرة، وهي تفاصيل تستحق الوقوف عندها، وتنشرها «الوطن» في عددها الصادر اليوم.ببساطة يستنتج من حديث أنجدال الإصرار الأمريكي المتعاقب على التغيير في منطقة الشرق الأوسط بدعم جماعات إرهابية، سواءً كانت جماعة الإخوان المسلمين، أو جماعات ولاية الفقيه المنتشرة في المنطقة. ومن الواضح أيضاً أن واشنطن لا تكترث كثيراً بما تسميه «حلفاءها» في الشرق الأوسط أو الخليج، بل ما يهمها في النهاية هو كيفية إضعاف المنطقة والسيطرة عليها من خلال التغيير السياسي الذي يقود إلى التقسيم، علماً بأن الهدف الأخير بات حقيقة قاطعة من السودان إلى العراق وسوريا في الطريق الآن. الدول العربية ستكون مخدوعة إذا اقتنعت بأن الإدارة الأمريكية تهمها كثيراً الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الحريات وسيادة القانون في هذه الدول. لأن الواقع يثبت هوسها بدعم جماعات راديكالية هنا وهناك من أجل زعزعة الأنظمة الحاكمة رغم مصالحها التي تحميها هذه الأنظمة. في المنامة دعمت جماعة ولاية الفقيه، وفي القاهرة دعمت جماعة الإخوان المسلمين، وفي الشام دعمت حزب الله بتحالفها المعلن اليوم مع طهران، فأي استقرار تريده واشنطن للمنطقة ولحلفائها؟!واشنطن لديها الرغبة الأكيدة في التضحية بمصالحها التاريخية والقديمة مع دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى من أجل حدوث تغيير جيو ـ استراتيجي شامل تضمن فيه عدم ظهور قوى خليجية أو عربية قادرة على إدارة التفاعلات السياسية في الشرق الأوسط، وحالة تفكك القوة السياسية التي يصعب إعادتها نظرياً، وهي حالة غير مجربة في النظام الدولي على تطوراته المتعاقبة منذ معاهدة ويستفاليا 1648. جانب مهم من الفوضى التي خلفتها واشنطن من خلال أجهزة استخباراتها طوال العقود الماضية فقدان الثقة بالديمقراطية في المنطقة، وبات الخيار الأهم والأصعب هو كيفية الحفاظ على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، لأنه أكثر أهمية اليوم من خيار التحول الديمقراطي بعد أن تحول شعار دعم الديمقراطية الأمريكي إلى وهم تم بيعه على شعوب المنطقة، وكان نتيجته دعم المؤسسة الدينية ورجال الدين المتطرفين!