ما تم طرحه هنا بالأمس يفضي إلى سؤال ملخصه هو أنه إذا كانت ثقة المواطنين في الجمعيات السياسية قد تناقصت ووصلت إلى نحو 50% بسبب أنها ترفع شعارات فارغة ولا تقدم ما يمكن أن يقنعهم؛ فما هو البديل عنها؟ السؤال مهم والبديل هو إيجاد جمعية تهتم بتنمية الإنسان البحريني وخدمته وتلبية طلباته وحل مشكلاته بالعمل لا بالقول والشعارات الزائفة وليس بإخراجهم في مظاهرات لا يربحون منها سوى الأذى. هل هذا ممكن؟ بالتأكيد نعم ممكن، والمعلومات التي بين يدي تؤكد أن مجموعة من المواطنين يمثلون مختلف أطياف المجتمع البحريني يقتربون من تأسيس جمعية سياسية تهتم بالشأن الاجتماعي قبل السياسي، وأنها قريباً ستكشف عن برنامجها المتمثل في توفير الحل اللاسياسي للمشكلة السياسية. يقول بعض من أعرف من المتحمسين لهذا المشروع إنهم ينطلقون من فكرة أن الناس ملت من السياسة ووصلت إلى قناعة أن السياسة لم توصلها إلى مفيد، بل على العكس تسببت في تعقيد مشكلاتها وتويتير حياتها وإيجاد شرخ في المجتمع عميق يصعب على المرء تخيل كيفية رأبه، لذا فإنهم رأوا أن الطريق الأفضل هو تقديم ما ينفع الناس بشكل عملي. من ذلك على سبيل المثال -يقول ذلك البعض- السعي لإيجاد وظائف للباحثين عن العمل من المواطنين العاطلين، والمساعدة في حل مختلف المشكلات التي نتجت عن الأزمة التي عاشتها البحرين على مدى السنوات الثلاث ونيف الماضيات عبر التواصل الجدي والعملي مع المسؤولين وعبر تنفيذ مشروعات كبيرة تعتمد على المتطوعين؛ مثل ترميم وبناء البيوت وتنظيف القرى والسواحل وإعادة تأهيلها وتوفير الوظائف وتطوير القدرات والمهارات. أحدهم قال لي إن مثل هذه المشروعات التي تعتمد بالدرجة الأولى على المتطوعين أثبتت نجاحاً في دول عديدة، وأنها تسببت في تقوية أواصر العلاقات بين أفراد المجتمع وإعادة اللحمة الوطنية، مضيفاً أن المواطن البحريني لم يعد يطيق السياسة، وأنه يبحث عمن يعينه على حل مشكلاته لا عمن يزيدها ويعقدها، ولهذا فإنه ومن معه يأملون أن يتكلل مسعاهم بالنجاح، خصوصاً أنه سيعتمد بالدرجة الأولى على الشباب الذين سيكونون أول المستفيدين منه.ملخص فكرة هذه المجموعة -كما فهمته- هو أنه بدل أن تلعن الظلام أشعل شمعة، وبدل أن «تتحلطم» تحرك واعمل ما يمكن أن يعود بالفائدة على المجتمع، وأنه وإن كانت الجمعية ستنضوي تحت مظلة الجمعيات السياسية إلا أنها ستعالج الشأن السياسي عبر معالجة الشأن المجتمعي، فالوقت الذي يضيع في الصراخ يتم توظيفه في العمل، والعمل فقط. مشروع جميل، أتمنى أن يرى النور قريباً وألا يتأخر مؤسسوه عن فتح الباب، للشباب بصفة خاصة، ليدلوا بدلوهم ويبدؤوا المشوار الذي هو بالنسبة لهم من دون شك فرصة ذهبية للتعبير عن رفضهم للسياسة والحلول السياسية التي تأكدوا جيداً أنها لا توصل إلى شيء وليستفيد المؤسسون من طاقة الشباب التي من دونها لن يتمكنوا من ترجمة أحلامهم إلى واقع. البحرين اليوم ليست في حاجة إلى جمعيات سياسية تبين بالدليل القاطع أنها تعمل لأجنداتها وأنها لا تعين إلا المنتمين إليها، أو بالأحرى المرضيين من المنتمين إليها وتضيق عيونها عن غيرهم. البحرين اليوم تريد جمعية شبابية مجتمعية تقدم المثال العملي على أن وضعاً كالذي أوصلونا إليه لا يقبل الحلول السياسية وإنما يحتاج إلى الحلول اللاسياسية التي هي باختصار تقديم ما يمكن أن يلمسه الناس بأيديهم لمسا ويرونه بأعينهم المجردة، فعندما يرى المواطن البحريني أن مشكلته التي تؤرقه قد حلت، وأن الوظيفة التي يحتاجها كي يعيش بكرامة قد توفرت، وأن بيته وقريته قد تم تطويرهما، فإنه دونما شك لا يمكن أن يكون المشروع ضحية مرة أخرى.