من المعروف للجميع مدى أهمية الدور البريطاني والأمريكي في قضايا الشرق الأوسط عموماً، والخليج العربي خصوصاً، فقد أثبتت مسارات السياسية الأمريكية والبريطانية والغربية مدى توغل هذه الأطراف في عمليات السلام أو الفوضى أو في أزمات الصراع القائمة اليوم بين الدول العربية أو الخليجية، فأينما تباينت المصالح الغربية أو حتى تقاطعت مع الدول العربية، فلا شيء يعلو على المصالح الغربية.إن إعطاء العرب المجال المفتوح للدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، في هندسة وتشكيل ورسم معالم الخارطة السياسية والمستقبلية لدولهم وأمنهم، جعل هذه الدول الطامعة في خيراتها، تتوغل بطريقة صريحة في سياساتها الداخلية والخارجية. هذا الوضع»الغلط»، والذي استمر لعقود من الزمن، خلق أرضية صلبة عند الغرب في الوقوف عليها كقائد ومصمم للسياسات العربية التي دائماً وأبداً ما تنتهي لصالح الدول الغربية.اليوم، ربما تفاجأت كثير من الدول العربية في طبيعة المسار السياسي الذي كانت تنتهجه حكوماتها تحت المظلة الأمريكية والأوروبية، وتيقنت كل اليقين أن الغرب ليست لديه صداقات دائمة ولا عداوات دائمة كذلك، فما يدوم عنده أمر واحد فقط، هو المصلحة. لهذا وجدنا في فترة ما يسمى بالربيع العربي، أن الأنظمة الموالية للغرب بشكل مطلق قد سقطت عندما تخلت عنها أمريكا وتوابعها في لحظة واحدة، حيث لم تفاضل أبداً بين مصالحها ومصالح الدول العربية، متناسية كل»العيش والملح» الذي جمع بينها وبين رؤساء وحكومات عربية طيلة مراحل العرس وشهر العسل!!بعد هذه النكبات العربية المتلاحقة وبعد الاستعانة المطلقة بالغربي والأمريكي، ها نحن نجد بعض الدول العربية تريد تصحيح الأخطاء عبر خيارين اثنين؛ إما أن تلجأ لشعوبها فتتصالح معها، وهذا لم يكن يحدث أبداً بسبب التوترات السابقة بينها وبين شعوبها، إلا ما ندر، أو أن تعتمد وتستقوي بالجماعات الراديكالية المسلحة، وهذا من أسوأ الخيارات، والذي مازالت تعاني منه الدول العربية والغربية والعالم كله.الحل الأمثل كما نراه نحن يكمن في طريق المصالحة الشعبية الرسمية، والمصالحة العربية العربية، وتنمية قدرات المواطن العربي، وتعزيز قيم المواطنة لديه عبر تأكيد مبادىء الحرية والمساواة والعدالة، والدفع باتجاه التنمية والبناء وتطوير التعليم ومخرجاته، وفتح المزيد من المصانع ذات الكفاءات العربية، وتشجيع الشباب العربي على الاكتشافات والاختراعات والتأليف، وبناء المزيد من الجامعات والمستشفيات وإصلاح البنى التحتية، والتمسك بخيار الديمقراطية والحرية، وبناء المسارح ودور الثقافة والمكتبات والاهتمام بالفنون والعلوم. حين نتأكد من وجود هذه المقومات والركائز الأساسية في كل الدول العربية، حينها يمكن لنا أن نستغني عن الغرب والاعتماد على كل ما هو عربي، والاستغناء عن كل ما هو رخيص وغير ضروري أصلاً، كالاعتماد على الجماعات المسلحة التي نشأت نتيجة ظروف سياسية معينة، يمكن أن تنتهي بانتهائها.في اعتقادنا المتواضع هكذا تبنى الأوطان، وهكذا ترسم السياسات العربية مستقبلها الواعد مع شعوبها، أما الاعتماد على الأمريكي والارتماء في حضن الأوروبي، فإن تلك السياسات التبعية، لن تجلب لها سوى المزيد من الذل. فهل حان الوقت الذي تتحرر فيه الدول العربية من الهيمنة الغربية المطلقة، لتتحقق معاني الاستقلال الكامل على أراضيها؟ أم إن دولنا العربية ستظل تكمل مشوار الأسر والقيد الذي طالما حطم وجودها وكسر آمالها وأرعب شعوبها لنحو مائة عام، والتي هي أشبه بمائية غابرييل غارثيا ماركيز في روايته الخالدة؟