بشكل مفاجئ جداً يخلو حتى من التمهيد سقطت صنعاء في يد الحوثيين الذين توالت فصول غطرستهم بين صنعاء والحديدة بمتغيرات سريعة تقطع الأنفاس، فدفعت القدرة التخريبية لقوة الحوثيين اليمن لحافة فالق زلزالي، فأصبح يترنح بين الحرب الأهلية والتقسيم، وقد شجع الانفصاليين والتقسيميين أن سياسة التشطير والانفصال في اليمن لم تتوقف أصلاً عبر تاريخه؛ فقد كرسها فساد الساسة والتدخلات الأجنبية منذ الاحتلال البريطاني لعدن عام 1839م حتى قيام الوحدة اليمنية 22 مايو 1990م. ولعجز ساسة اليمن عن التصرف بالحكمة المطلوبة؛ تشير مصادر عدة لخطط تقسيم داخلية وإقليمية ودولية لجعل اليمن قسمين رئيسيين على أساس مذهبي، فالمحافظات الشمالية والغربية المكونة من إقليم أزال الذي يضم محافظات صنعاء وعمران وصعدة وذمار، والتي سقطت في قبضة الحوثيين، ستتحول لدولة شيعية، بينما تبقى المحافظات الجنوبية والشرقية من نصيب السنّة وهما إقليم عدن وفيه عدن ولحج وأبين والضالع، وإقليم حضرموت وفيه حضرموت وشبوة والمهرة وجزيرة سقطرى. كما أن هناك أحاديث جريئة أخرى عن قيام أربع دول لا دولتين؛ فدولة صنعاء الإسلامية سيحكمها الحوثة ويجللها النفوذ الإيراني، ودولة حضرموت السنية ستدخل مجلس التعاون الخليجي وستقف من الغرب خصوصاً الولايات المتحدة على نفس المسافة التي تقفها منها دول الخليج حالياً، ومثلها دولة تعز، أما دولة عدن فسيعود إليها البريطانيون بعد خروج دام قرابة 50 عاماً.إيران تريد أن يكون إقليم أزال، معقل الحوثيين، والذي سيضم صنعاء وصعدة مرتبطاً بها بإطلالته الإستراتيجية على البحر الأحمر لتسيطر على أهم الممرات المائية في الشرق الأوسط، وهما مضيق هرمز و باب المندب. وقد حقق الحوثيون من هذا المشروع ثلاثة أرباعه؛ فاحتلال صنعاء ورفضهم تقسيم المحافظات الست معتبرين أنه سيقسم البلاد لأغنياء وفقراء كان خطوة في هذا الاتجاه، ولم يتبق إلا استعراض القدرة التخريبية لقوتهم لفرض الأمر الواقع، ولأن اليمن عمق إستراتيجي لدول الخليج فأمام مجلس التعاون خياران؛ إما عدم اعتراض الخطط التقسيمية مع ضمان حق دول مجلس التعاون في التطاحن فيما بينها على النفوذ على الدويلات السنية، كما تفعل في ساحات صراع أخرى، جراء عدم القدرة على إدارة الاختلافات فيما بينها، وإما رفض التقسيم برمته والاتفاق على إحياء المبادرة الخليجية، مما يعني كلفة سياسية وعسكرية واقتصادية تتمثل في التالي:- استخدام خيارات تصعيدية وعسكرة الأزمة من خلال قيام الخليجيين بشيطنة الحوثيين وتشكيل تحالف دولي لكسرهم على شاكلة داعش، حتى ردهم لمعاقلهم ونزع سلاحهم ليكونوا جزءاً من العملية السياسية.- تسخير القدرات الاقتصادية الخليجية لإخراج اليمن من أزمته بجهود وآليات أكثر جدية من مؤتمرات المانحين السابقة التي نكابر في نجاحها رغم أن الواقع يصفعنا كألف شاهد على فشلها.- الوقوف في وجه المتهمين بتقويض العملية السياسية في اليمن، سواء من فريق علي عبدالله صالح أو من فريق الحوثيين أو من غيرهم، ودفعهم للالتزام بتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، لتوفير الأجواء المواتية لاستكمال تنفيذ المرحلة الثالثة من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.إن تقسيم اليمن يعني خلق يوغسلافيا جديدة في خاصرة الجزيرة العربية، وبدل الصراعات القومية والدينية حول سراييفوا ستكون الولاءات البدائية كالقبلية والعصبية والمذهبية وقود صراعات يمنية طويلة حول مدينة صنعاء وميناء عدن والحديدة والمناطق النفطية، لذا على دول مجلس التعاون أن تعود كمنشغل أصيل بقضايا اليمن بالانحياز المبكر والواعي لوحدة اليمن، وعلى دول مجلس التعاون أن تعيد تعريف اليمن كعمق إستراتيجي حيوي لها لا عبء إستراتيجي وساحة لصراع الملفات الإقليمية والدولية.