هذه الأمور الثلاثة «الأمن، رفع الأجور، وتحسين المعيشة» جاءت بترتيبها المذكور في استطلاع شاركت فيه عينة ممثلة بهدف تحديد أولويات المواطن في المرحلة الراهنة التي تمضي فيها البحرين.لو عدنا لسنوات قليلة مضت، ونعني بها قبل محاولة الانقلاب الفاشلة لكان الترتيب بالتأكيد مختلفاً، ولربما جاء المطلب الأمني في مركز متأخر خلف تحسين المعيشة والرواتب وتحسين الخدمات الموجهة للمواطنين، لكن أن يتصدر مطالب المواطنين بهذا الشكل فإنه يوضح الكثير.اليوم لدينا اقتصاد تأثر بشكل كبير بسبب ما حصل في البحرين ومازالت تعاني منه جراء الإرهاب والتخريب والفوضى المستمرة. رأس المال «جبان» وهذه قاعدة استثمارية معروفة، بالتالي لا يمكن للاقتصاد أن يقوى ولا الاستثمار أن يزدهر طالما أن البيئة المعنية به لا تنعم بأي استقرار أمني.خسرت البحرين كثيراً في الجانب الاقتصادي والاستثماري، ومحاولة رأب التصدعات قد تجدي نفعاً لكنها لن تكون سوى حل وقتي، معه ستعاود المشكلة ظهورها وبشكل أقوى طالما أن العامل المؤثر في العملية «الإرهاب والفوضى» يستمر وترتفع وتيرته بين فترة وأخرى.حتى قضية رفع الرواتب ستتأثر بفضل عامل عدم الاستقرار، إذ إن استمر انهيار الاقتصاد وخسارة الاستثمارات، فإن ذلك يعني التأثر على صعيد ارتفاع الأسعار وعدم استقرار حتى البورصة وسوق الأسهم، مع تكبد الدولة لخسائر في البنية التحتية، كل ذلك يعني شيئاً واحداً يتمثل بأنه حتى لو رفعت الأجور والرواتب فإن معها سيرتفع كل شيء. نحن في الحالات الطبيعية والمواطن يعاني من محاولات واضحة من بعض التجار الجشعين لإقران زيادة الأسعار بزيادة الرواتب، فما بالكم في أوضاع غير طبيعية مثل التي نعيشها اليوم؟!لا حياة بدون أمان، هذا واقع يفرضه المنطق. إذ ما فائدة أي شيء طالما لا يوجد وطن مستقر وآمن يحس فيه المواطن بأنه غير مهدد في كل لحظة؟!خطط إشاعة أنواع عديدة من الفوضى ليست خططاً تتم بصورة اعتباطية، بل بداية دق أسفين انهيار أي بلد تبدأ بالعمل على تقويض الأمن فيه وتحويله لغابة لا قانون فيها، وبعد النجاح في ذلك تتهاوى الأمور كلها بدءاً بالاقتصاد الذي إن انكسر فلن تقوم لهذا البلد قائمة، ولكم في العراق مثال صريح.وعليه فإن الاستبيان الذي أجري ضمن برنامج «كلمة أخيرة» للزميلة سوسن الشاعر يلامس واقعاً حقيقياً نعيشه طوال ثلاث سنوات في البحرين، الأمن وتيرته تتصاعد وتقل، لا يوجد ثبات بشأن استقرار البلد، استثمارات تهرب، ومساعي رفع الاقتصاد ومواجهة التقلبات الاقتصادية الدولية وضعتنا في وضع أشبه بمن يحفر في الصخر بملعقة بلاستيكية.الأمن هو أساس كل شيء، بعده يأتي كل شيء، وبعده يكون لكل شيء قيمة. بلا أمن لا يستفيد الإنسان من أي شيء آخر، طالما أن مصير وطنه في مهب الريح، وطالما أن اقتصاده تهوي مؤشراته.هذه الاستقراءات لآراء الناس وتوجهاتهم وانطباعهم كلها أرقام ومواد دسمة تقدم لمن يعنيهم الأمور في الدولة، إذ بسهولة يمكنكم معرفة ماذا يفكر فيه الناس، وماذا يطالبون به؟ وما الذي يجب أن يكون على رأس الأولويات في أية استراتيجية للتحرك لتحسين الوضع العام في البلد؟الأمن، وللمرة المليون نقولها.. الأمن.